مرزوق تنباك

من هو الظالم المستبد؟

الثلاثاء - 26 مارس 2019

Tue - 26 Mar 2019

لو طرح هذا السؤال الذي يتصدر المقال وسئل الناس من هو الظالم المستبد؟ لأسرعوا يقلبون صفحات التاريخ ويبحثون عن أسماء الحكام والسلاطين والولاة المستبدين الظالمين في التاريخ القديم والحديث الذين يرون أن السؤال قد يعنيهم، وأن أولئك الحكام يتصفون بصفة الاستبداد والظلم ولا يخطر ببال الناس أو أكثرهم غير ذلك.

وهم بلا شك معذورون لأن لوازم الظلم الظاهر والاستبداد تكون عادة للسلطان والقوة والقدرة والقهر، والثقافة التقليدية تحيل إلى هذه المعاني وتدل عليها فيما عرفه الناس وعهدوه من تجاربهم. لكن لو قيل إن هناك في الحياة من هم أشد ظلما واستبدادا من أهل السلطة والقدرة والقهر وأشد ضررا منهم لصعب التصديق عند أكثر الناس، والحقيقة أن الاستبداد يأتي من أكثر من مكان ومن أكثر من جهة ومعنى، والتاريخ مملوء بأمثلة من صور الاستبداد المحببة إلى النفوس البشرية التي لا يشعر الناس بقسوتها وسلطتها، وأكثر من ذلك يقدسونها ويدافعون عنها ويعتبرونها قيما يحافظون عليها، ولو اخترنا عناصر الاستبداد المحبب للنفوس لكان أهمها ثلاثة عناصر:

إرث الآباء والأجداد، هذا الإرث هو أقوى نماذج الاستبداد وأقساها حين يستبد بالمرء آباؤه وأجداده وماضيه الذي يعشقه ويراه خيرا من حاضره ومستقبله، ويصير مرهونا له يتحدث عن هؤلاء الأجداد وعن أفعالهم ويشيد بأعمالهم ويحاول أن يكون مثلهم ويعود إليهم وينسى فارق الزمن بينه وبينهم ويلغيه من حساباته، ويتقمص شخصيات ماتوا ومات معهم تاريخهم وأفعالهم، إن كان ثمة أفعال يفخر بها ويعيشها في وجدانه، ويخطئ من يريد أن يحيى بظلهم ويعيش في مثل حياتهم وهذا هو أشد ضروب الاستبداد والظلم للنفس عندما يكون الأموات هم قدوته ومثاله الذي يحبه ويهتدي به.

هناك مستبد آخر وهي العادات والتقاليد التي يتحبب المرء باتباعها ويؤمن بها ويحتشد في الدفاع عنها رغم أنها تقاليد وعادات نشأت في مكان وزمان مختلفين عن مكان المرء وزمانه اللذين يعيش فيهما، فسطوة التقاليد والعادات الضارة هي الأخرى مستبد ظالم يضع طوق الاستعباد في الأعناق وتخضع له الرقاب، وقلما تكون تلك العادات نافعة أو مؤاتية لمن يرثها ويحاول التمسك بها. ولقد كان سبب ضلال كثير من الأمم تمسكهم بما كان عليه آباؤهم الذين سبقوهم.

ومن الاستبداد والظلم استبداد المعتقدات الخاطئة التي يؤمن بها بعض الناس ويقدسونها ويدافعون عنها بحكم الألفة التي ألفوها والمعارف التي تعلموها وما أنزل الله بها من سلطان، وإنما هي أفكار بشرية واجتهادات شخصية، وتلك هي أقوى ما يتحكم في مصير الإنسان وعواطفه وحتى علاقاته فيمن حوله وما يرتبط به وبمجتمعه والناس كافة.

هذه العناصر ليست كل ما يستبد بالإنسان فيما يسمى بالعالم القديم الذي نحن جزء منه، لكنها تكون فيه أشد ظهورا في أعمال الإنسان ومواقفه وأقواها سيطرة على تفكيره والتحكم في أفعاله وأقواله وأكثرها تحديدا لمواقفه مما يحيط به.

ولا يعني هذا أننا ندعو للزهد في تاريخ الأسلاف ولا الزهد في العادات والتقاليد الحسنة التي خلفها الماضون، ولكن الواجب هو الانتخاب منها وفحص ما يصلح للحاضر وينفع للتأدب به وأخذ العبرة منه، وليس المقصود أن ننكر كل ما يرثه المجتمع من القيم والتقاليد المقبولة التي لا تعرقل مسيرته ولا تمنع تحديثه وتطوير إمكاناته وعصرنته ولا تعود به إلى عصور الماضي وقيمه وعاداته وتقاليده الموروثة، ولا تجمد حراكه مع الزمن ولا تمنع المتغيرات والأحداث التي تجري مسرعة إلى الأمام ولا تلتفت إلى الوراء.

Mtenback@