رسائل هاتفية تفضح نظام إيران

مفاجآت الأرشيف النووي تتوالى بالكشف عن مصنع «الغدير» لتخصيب اليورانيوم
مفاجآت الأرشيف النووي تتوالى بالكشف عن مصنع «الغدير» لتخصيب اليورانيوم

الاحد - 24 مارس 2019

Sun - 24 Mar 2019

توالت المفاجآت داخل «الأرشيف النووي الإيراني»، وبعد إماطة اللثام عن «برنامج عماد»، عرض معهد العلوم والأمن الدولي الأمريكي صورا جديدة حملتها الوثائق توضح مرافق الدعم لمصنع لتخصيب أجهزة الطرد المركزي للغاز، وهو المصنع الواقع بالقرب من مدينة قم، والذي عرف باسم مصنع فورد لتخصيب الوقود (FFEP)، وعرف فيما بعد باسم «موقع الغدير».

يكشف الأرشيف من جديد الخداع الإيراني بشأن أنشطتها السابقة في مجال الأسلحة النووية، ويثير تساؤلات عميقة حول الهدف الحقيقي لهذه المرافق، وخطط الطوارئ ليوم غد، ولا سيما عندما تنتهي القيود النووية، مما يؤكد أن تسامح المجتمع الدولي مع نظام الملالي، يدل على كثرة الفشل في تحديد البرنامج النووي الإيراني أولا، ثم التأكد من أن البرنامج النووي الإيراني سلمي حقا.

إمدادات مشبوهة

تظهر المعلومات والتحليلات الجغرافية المكانية أن صور موقع الغدير يمكن أن تكون مؤرخة حتى عام 2004 أو ما قبله، حيث بدأ البناء في المصنع بشكل سري في وقت مبكر من عام 2002، بهدف إنتاج يورانيوم صالح للاستخدام في صنع الأسلحة كجزء من البرنامج النووي الإيراني.

وتوضح الوثائق الموجودة في الأرشيف أن هذا المرفق مصمم لليورانيوم منخفض التخصيب، وليس الطبيعي، مما يجعل البرنامج يعتمد على محطات تبنيها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أو شراء إمدادات مشبوهة غير مضمونة من اليورانيوم من الخارج.

ادعاء كاذب

في سبتمبر 2009، وبعد اكتشاف هذا الموقع من قبل المخابرات الغربية، أعلنت إيران ذلك إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأبلغتها فيما بعد بأنها لم تبدأ بناء المحطة حتى عام 2007، بزعم أنها أعادت تغيير موقع عسكري تحت الأرض موجود في قاعدة الحرس الثوري، وأثبتت معلومات الأرشيف أن هذا الادعاء كاذب وغير صحيح.

لا يحتوي الأرشيف على معلومات عن مصير المصنع بعد إعادة توجيه «مشروع عماد» عام 2003، ومع ذلك، تشير معلومات جهود التفتيش التي أجرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنه عام 2009، كان المصنع لا يزال قيد الإنشاء، إلا أنه تعرض لتعديلات لجعل اليورانيوم منخفض التخصيب تحت الضغط الدولي كحد أدنى، وأعطى هذا المصنع السري إيران خيارا لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة دون علم المجتمع الدولي بذلك.

برنامج سري

يمكن تتبع مصلحة الجيش الإيراني في أجهزة الطرد المركزي للغاز حتى أواخر الثمانينات، بناء على تصريحات الإيرانيين الذين كانوا جزءا من منظمة الطاقة الذرية في ذلك الوقت، ومن المحتمل أن تكون القيادة الإيرانية أنشأت البرنامج النووي العسكري ونسقت عملها مع منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، التي كانت تدير أيضا مجموعة متنوعة من المنشآت المرتبطة بالطاقة النووية المدنية، فمن غير المعروف كيف قامت القيادة العليا للنظام في ذلك الوقت بتنسيق هذه البرامج في الممارسة العملية، وما دور كل منها في تطوير الأسلحة النووية.

ويعود الدليل الإضافي لبرنامج الطرد المركزي العسكري إلى جهود المشتريات الأجنبية التي أجراها مركز أبحاث الفيزياء (PHRC) في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، والتي كانت المنظمة التي أنشأتها القيادة الإيرانية في أواخر الثمانينات لمتابعة برنامج نووي عسكري، استنادا إلى تقييم مجموعة تضم أكثر من 1500 رسالة هاتفية تهدف إلى شراء المعدات والتكنولوجيا من الخارج، والتي أشارت إلى أن المشتريات من مركز أبحاث الفيزياء كانت مرتبطة ببرنامج سري لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية.

مشروع الغدير

تضمنت «خطة عماد» جدولا لبناء مصنع لتخصيب اليورانيوم كان من المتوقع أصلا الانتهاء منه في أواخر شتاء 2004، وهو مشروع الغدير، وهو ما يعني أن إعلان إيران اللاحق للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن بدء تشغيل هذا المرفق عام 2007 ليس خطأ فحسب، ولكنه خطأ بشكل متعمد.

ووفقا للتقارير، فإن إيران وضعت جدولا لإنتاج 5 أسلحة نووية وكانت مستعدة لاختبار واحد، وكان شرطها الحصول على 200-250 كجم من اليورانيوم المخصب، والذي يتم تفسيره على أنه اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة، وتشير هذه المعلومات إلى أن إيران لم تكن لتتوقف بعد بناء أسلحتها النووية، بما يتراوح بين 15 و20 كجم لكل سلاح نووي، فإن ما يتراوح بين 200 و250 كجم من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة تكفي لـ10-16 سلاحا نوويا.

موقع التخصيب

يتكون مشروع غدير من مرافق دعم عديدة، ويرتبط التحليل الجغرافي المكاني بهذا الموقع بمرافق الدعم الخاصة بموقع التخصيب بالقرب من مدينة «قم» التي حددتها القوى الغربية في أكتوبر 2009، والتي سميت فيما بعد بمصنع تخصيب فورد، والذي كان قيد الإنشاء بحلول منتصف عام 2004.

ونقلا عن النتائج التي توصلت إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بناء على صور الأقمار الصناعية، ذكرت رويترز عام 2009 أن بناء المصنع مؤرخ في 2002، وقد يعكس ببساطة التأخير في جدول البناء.

سلاح اليورانيوم

وفقا لمواد أرشيف مكتوبة بخط اليد، كانت الخطة الأولية هي جعل اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة يبدأ باليورانيوم الطبيعي، ومع ذلك، تحولت هذه الخطة عام 2001، وذكر الأرشيف احتواءه على بعض الوثائق منها:

  • مسودة وقعها رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، التي رأسها رضا أغازاده، ووزارة الدفاع الإيرانية، ومن ثم علي شمخاري ـ المستند غير مؤرخ، لكنه من المحتمل أن يكون عام 2001.

  • تأمرالوثيقة بنقل المسؤولية والمعلومات والميزانية المطلوبة، من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية إلى وزارة الدفاع، للقيام بمزيد من تخصيب سداسي فلوريد اليورانيوم من 03% إلى أكثر من 90%، ويتضاعف الإنتاج السنوي لليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة بهذه المنشأة ثلاث مرات تقريبا.

  • تشير الوثائق إلى أن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية كانت تخطط أصلا لإنتاج يورانيوم صالح للاستخدام في الأسلحة، من خلال الإشارة إلى أنها كانت «تنقل إلى وزارة الدفاع مهمتها في تخصيب UF6 بواسطة أجهزة الطرد المركزي من 3% إلى أكثر من 90%»

  • تشير الوثائق إلى أنه بحلول أواخر التسعينات أو أوائل عام 2000، قررت إيران تركيز إنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة في برنامج عماد، لكن تأكد من أن هذا الجهد سوف يستخدم برنامج الطرد المركزي بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ودعا القرار إلى موقع مدفون بعمق أقل عرضة للهجوم العسكري من موقع نطنز.

  • حملت تخطيطات متعددة للطرد المركزي للمصنع تم إعدادها أثناء التخطيط لمشروع الغدير بموجب خطة عماد.

  • وثقت إحدى الوثائق قدرة مصنع الغدير على إنتاج 45 كجم في السنة من سداسي فلوريد الصنف المستخدم في صنع الأسلحة، وهذا يترجم إلى نحو 30 كجم من اليورانيوم، إذا افترضنا أن ما بين 15 و20 كجم من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لكل سلاح، فإن إنتاج المصنع يكفي لصنع سلاح نووي واحد إلى سلاحين سنويا.


ندرة المعلومات

هناك ندرة في المعلومات حول موقع الغدير من نهاية خطة عماد وحتى الكشف عنها في 2009، وتظهر صور الأقمار الصناعية أن العمل مستمر، وعلى الرغم من أنه قد يكون هناك هدوء في عمليات الأنفاق الرئيسة في مجمع النفق في 2004 -2005 الفترة الزمنية في صور قوقل إيرث، فإنه بتاريخ 6 يونيو 2004، يمكن رؤية مداخل نفق مغطاة وكومة من غنائم الأرض، وتظهر صورة من 24 مارس 2005 مداخل النفق المغطاة وكومة غنائم الأرض نفسها.

الموقع اللغز

في 25 سبتمبر 2009، صرح كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني جوردون براون بأن إيران كانت تبني موقعا سريا لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة «قم»، في إشارة إلى موقع الغدير.

وكانت الاستخبارات الغربية تشك في أن لدى إيران محطة سرية لتخصيب اليورانيوم لبعض الوقت، وكان الحلفاء، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة، على دراية بالموقع القريب من «قم» لسنوات عدة، لكنهم وصفوه بأنه موقع لغز، حيث تعذر الاتفاق على الغرض منه.

  • أحد الحلفاء الذين اكتشفوا صور الأقمار الصناعية في أواخر عام 2007 يعمل في الموقع مما زاد من شكوكه حول احتمال استخدام نووي.

  • أخذ حليف آخر هذه المعلومات وطور معلومات إضافية، على الأرجح من خلال الذكاء البشري.

  • في أوائل 2009، حصل الحلفاء الأربعة على معلومات أدت بهم إلى تطوير ثقة عالية في أن الموقع يحتوي على محطة للطرد المركزي للغاز كانت قيد الإنشاء، مع تاريخ التشغيل المتوقع لعام 2010.

  • كان الموقع معروفا فقط لكبار مسؤولي منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، حيث ذهبت إيران إلى أبعد الحدود للحفاظ على السرية، وصرح المسؤولون الأمريكيون في خريف 2009 أنهم لا يعرفون «نية» المنشأة، أي ما إذا كان قد تم تصميمها لإنتاج يورانيوم صالح للاستخدام في صنع الأسلحة النووية أم لا؟


برنامجان متشابكان

يعد مشروع الغدير برنامجا سريا لتخصيب اليورانيوم ضمن خطة عماد، ويوضح الأرشيف أن إنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة مقابل بضعة أسلحة نووية على الأقل في السنة كان أولوية بالنسبة لإيران.

تولى الجيش المسؤولية الرئيسة عن صنع اليورانيوم، وبهذا المعنى، بحلول عام 2003، أصبح البرنامجان المتوازيان متشابكين بطريقة متماسكة، يهدف أحدهما أساسا إلى إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب ويركز الآخر على صنع يورانيوم صالح للأسلحة، لكن البرنامج العسكري اعتمد على نجاحه في المشروع النووي المدني، وخاصة بالنسبة لمصدر مستمر لليورانيوم منخفض التخصيب ليغذي محطة الغدير للتخصيب.

استمرار الخداع

لم يكن مشروع الغدير ودوره في خطة عماد معروفا للمخابرات الغربية أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل الاستيلاء على الأرشيف في أوائل عام 2018، وحتى بعد نقل هذا المشروع إلى منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في وقت ما بعد 2003، مرت سنوات عدة قبل أن يتم اكتشاف مظاهره.

وجاء نقل مشروع الغدير إلى منظمة الطاقة الذرية الإيرانية مع الإبقاء على تصميمه لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، ليكون متسقا مع قرار إيران بإعادة توجيه خطة عماد وتقليص حجمها، ولكن دون إيقاف برنامج الأسلحة النووية.

وإمعانا في الخداع، بات بناء مصنع مصمم لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة مؤهلا لمنشأة يجب أن تبقى سرية في إطار خطة إعادة التوجيه، ومما لا شك فيه أن إيران حسبت أنه إذا تم اكتشاف عملها في موقع الغدير للتخصيب بعد عام 2004، فإنها ستحرم أي صلة بالأسلحة النووية وتنظيفها وتسمح بعمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن المرجح أن يقبل المجتمع الدولي قصة الغلاف لغرض مدني أو على الأقل تساعد في تخفيف تكاليف الاكتشاف وتساعد في ضمان تشغيله.

امتد تصميم إيران على الإبقاء على موقع التخصيب المدفون بعمق إلى المفاوضات حول خطة العمل المشتركة حتى اليوم، على الرغم من أن المحطة ليس لديها مبرر نووي مدني موثوق.

الأكثر قراءة