ياسر عمر سندي

«بداية التخريب بنهاية التدريب» رسالة للمنظمات

الأربعاء - 20 مارس 2019

Wed - 20 Mar 2019

منذ بزوغ مفاهيم العمل الإنساني البسيط وبداية تبلوره خلال العصور القديمة عن طريق ممارسة الحرفة البدائية التي يقوم بها الفرد، وانطلاق الشرارة الأولى لفهم المهنة وإدراك الإنسان لحاجته الماسة للمعرفة العملية كي يعيش ويجني قوت يومه لسد عوزه ومتطلباته الحياتية، اضطرته للممارسة الذاتية المستمرة وملازمة من لديه المعرفة لأداء عمله بإتقان ليستمر في حرفته ويورثها من بعده.

وفي العصر الحديث «عصر المعرفة» حلت الوظيفة النظامية وأصبحت ضمن منظومة عمل تحت مظلة منظمات تدعم المعرفة بمفهومها العصري، والتي تعتمد على التدريب كأساس لنقل المعرفة ورفع الأداء بالدرجة الأولى، والتركيز على الموظف بمنهجية «كن أنت أو سيكون غيرك» أي إن الموظف سيعمل بمعرفة أو أن آخر سيحل مكانه.

وأرى حالتين لاكتساب المعرفة والاستحواذ عليها، الأولى استبصار الموظف الذاتي بالاحتياج للدعم الشخصي من خلال تلمس مكامن الخلل والعمل على سدها، والثانية أن يتم تحفيز هذا الموظف خارجيا من جهة تساعده على تطوير ذاته وعمله بطريقة مدروسة لاكتشاف نواحي القصور وبنائها واستكمالها. وفي الحالتين التعلم أو التعليم في المنظمات، ينشأ الوعي الوظيفي لدى الموظف وتزداد أهمية الوظيفة المنوطة به، ويتحصل أيضا على جرعات مرحلية تنشيطية خلال مساره الوظيفي، وذلك لمعرفة ما هو الجديد في مجاله العملي أو إلى أين وصل الموظف معرفيا وكلاهما يرمي إلى أهمية التدريب.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية أعتبر التدريب بمفهومه العام أنه «الإثراء المعرفي للوصول إلى الثراء العقلي»، وأغلب المنظمات العالمية وبالأخص التي تمتلك صناعة خاصة وهوية فريدة من نوعها والتي ترتبط بحياة البشر اليومية مثل شركات الطيران والبترول والسيارات والتقنيات تعي أهمية التدريب بمفهومه المستدام وبشقيه النظري والعملي، وتعتبر المعرفة قوة Knowledge is Power وذات خصائص متغيرة ومتطورة ومتسارعة.

وأرى أن التدريب حالة انعاش فكري ومهني للموظف في حال شعر بالضعف والتراجع، وسيكولوجية الموظف أي «الحالة النفسية» سواء للمكتبي الذي يعمل خلف طاولة بمساحة مكتبية خاصة أو الميداني المتجول الذي يتطلب عمله التنقل، تحتاج دوما إلى «إيقاظ نفسي» و»تراكم معرفي»، وهاتان المتلازمتان تعملان بطريقة متوازية لإعادة تعبئة الوقود العضلي والإدراكي للموظف، فعندما يشعر بالإحباط الروتيني جراء تأدية عمله لفترة طويلة يصاب بحالة من الخمول الوظيفي التي تصاحبها حالة من التوقف المعرفي، وعملية التدريب تساعده في العودة للروح والنشاط وتدعم العقل للاستعداد لاستقبال كل ما هو جديد مهاريا وفكريا، الأمر الذي يضمنه التدريب الوظيفي.

وحقيقة الأمر أني أشعر باستغراب شديد من قيادات بعض المنظمات لقيامهم بتخريبها جراء إهمال دور التدريب كمركز استثمار استراتيجي فعال وناقل للمعرفة، وتجنيهم بتحجيم دور البرامج التدريبية المستدامة وأهميتها للموظفين، والأدهى والأمر تقليص صانعي القرار فيها للميزانية المخصصة للتدريب، مقابل زيادة الهدر المالي على المجاملات والمناسبات الجانبية التي تستنزف قوى المنظمة وترهق مواردها.

ورسالتي إلى المنظمات الوطنية أن تسعى لبناء الثقافة السلوكية والمعرفية والتوعية بأهمية احتياج رأس المال البشري للتدريب المستدام والاستثمار المعرفي على جميع المستويات الإدارية بلا استثناء، العليا والوسطى والتنفيذية، والذي سيساعد على إيقاظ النفوس وإثراء المعارف لمواكبة كل ما هو جديد ومفيد من برامج تصوغها المنظمات بأيدي كوادرها، وبحسب طبيعة أنشطتها ومجالات موظفيها، والنظر كأولوية قصوى إلى أهمية المناخ التدريبي الصحي وبيئة التدريب المحفزة وربط برامج التدريب بالعلاوات السنوية والاحتياجات التدريبية لكل موظف حتى يستوفي متطلبات ترقيته بصفة دورية لكل ربع سنة «ثلاثة أشهر» كأقصى مدة لسد الفجوة المعرفية بين متطلبات العمل والمعرفة الوظيفية للموظف، وقياس أثر التدريب وتحليل الاحتياجات التدريبية مرحليا لضمان الفاعلية والكفاءة للموظفين والمنظمة، لزيادة بناء الثقة التنظيمية وتقليل الوقوع في الأخطاء وخفض معدلات الدوران والتسرب الوظيفي وزيادة جودة العمل ورفع الأداء وتعزيز الولاء لمواكبة خطة الرؤية الوطنية المستقبلية 2030، والخلاصة أن إهمال التدريب يؤدي حتما إلى التخريب.

@Yos123Omar