مرزوق تنباك

معرض الكتاب وتعدد مصادر الثقافة

الثلاثاء - 19 مارس 2019

Tue - 19 Mar 2019

الرياض في هذه الأيام تصافح الكتاب ويصافحها باهتمام كبير وسرور باذخ بالفرح، وتبتهج بزيارة محب طال غيابه سنة كاملة قبل عودته، وهي مناسبة ينتظرها أهل الرياض ومن حولها من عشاق الثقافة وطلاب العلم يحتشدون لها في شوق ولهفة ثقافية واجتماعية كبيرة تتكرر في كل عام حين يتوجهون إلى الكتاب في تظاهرة عامة وحشد يجتمع فيها الناس من كل الفئات والأجناس والأعمار ومن المدن والقرى والأرياف التي تحيط بالعاصمة من جميع أطرافها. كل ما يحدث من ازدحام وما تراه العين من كثافة بشرية متدافعة إلى دور النشر الممتدة على مساحة واسعة يعبر عن لحظات جميلة يهتبلها الجميع ويفرح بها، الكل ينتظرونها بفارغ الصبر وعندما تنتهي أيام المعرض ويغلق أبوابه تجد أن أكثر المترددين على ردهات الكتب ودور النشر قد اقتنى منها ما يعده زادا يقتات به عاما كاملا حتى يحين الوقت من العام القادم ليعود أدراجه مرة أخرى بعد أن قضى عامه المنصرف بتذوق لذة المعرفة التي اقتناها في ما مضى من الأيام.

هذه الأفواج من رواد معرض الكتاب تقرر نتيجة واحدة ومؤشرا واحدا يثبت خطأ ما يشاع من بعض الأراء التي تزعم أن الزمن الحاضر ليس في صالح الكتاب، وأن زمنه قد انتهى وحل محله البديل المناسب وهي التقنية وما تحمل من متغيرات ومستجدات، لكن معرض الكتاب الورقي وحشود زواره في كل عام يكذبان ما يرجف به المرجفون من أن وسائل التواصل الحديث بمرونتها وسلاسة استعمالها وسهولة حملها هي البديل، وأن كل فرد في المجتمع يستطيع بها دون غيرها أن يعبر عن نفسه وينشر آراءه من خلالها، وقد ألغت أهمية الكتاب وقيمته وحلت محله بكل اقتدار واستحقاق، وأن القراءة في الصفحات البيضاء والورق الصقيل قد ولى زمانها وحل مكانها ما هو أسرع منها وأخف على العقول والإدراك ولم تعد لها سطوتها المعروفة على الفكر والعلم وأهله، وأن مصادر المعرفة قد تحولت إلى ما هو أسهل وأيسر وقللت من الاهتمام به.

كل هذه الدعوى الباطلة تدحضها الجماهير المتدفقة الذين تراهم يزحمون دور النشر وينقبون عن آخر ما دفعت المطابع من جديد الأفكار، وفي كل محفل للكتاب وفي كل معرض ما يدل على أن حب الكتاب وعشقه ما زال يملأ نفوس كثير من القراء الذين لا يعدلون بالكتاب أي بديل آخر.

والشاهد أن عشاق الكتاب يظهرون ابتهاجا يحمل كثيرا من الشوق ولحظة الانتظار لما يأتي به من جديد وما تجود به أقلام العلماء والمفكرين والأدباء حين يجدون ذلك كله في مكان واحد وزمان محدد حيث معرض الكتاب أصبح مزارا يجمع الناس ويتكرر اللقاء به.

ولا شك أن تعدد مصادر الثقافة والمعرفة ظاهرة صحية وعمل مطلوب ومرحب به ولا يلغي الشوق للكتاب، فضيلة التعدد لمصادر المعرفة الأخرى ووضع الخيارات الممكنة للناس، مما يسهل عليهم ويفتح الطريق أمامهم، وليس هناك مانع من أن تتعدد أوعية الثقافة ومصادر المعلومة التي يقتنصها طالب المعرفة، حيث لا يحل شيء منها محل الآخر ولا يلغيه، والثقافة لا تعيش بالفردية والذاتية ولا تستمر على النمط الواحد، الثقافة العامة تزدهر بتعدد مصادرها وأوعية النشر فيها وذلك مطلب يفضله الناس وهو عمل يثري ويغري بمزيد من التنوع.

Mtenback@