عبدالله المزهر

أنا حل بريطانيا العظمى...!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 12 مارس 2019

Tue - 12 Mar 2019

موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثال آخر ـ لا أذكر الأمثلة الأولى ـ على واحد من المآزق الديموقراطية، فالخروج يتم بناء على استفتاء شعبي، والاستفتاء الشعبي يعني أن يشارك فيه كل مواطن تجاوز سن الثامنة عشرة. أي أن أصوات الجهلة والأوباش والمعاتية والمخابيل والفاشلين والذين لا يستطيعون حل مشكلاتهم الشخصية ولا التخطيط لحياتهم الخاصة لها نفس وزن أصوات العلماء العقلاء والناجحين والذين يجيدون التخطيط والتفكير. كلها متساوية في اتخاذ قرارات مصيرية ومهمة مثل قرارات تغيير الدستور أو أي قرار مصيري آخر حسب أنظمة الدول التي تعتمد الاستفتاء الشعبي العام كوسيلة لاتخاذ القرار.

والمساواة أمر جميل ومبدأ نبيل لكنها في هذه الحالة معضلة أخلاقية، ففي بريطانيا على سبيل الثمال فإن الخروج من الاتحاد الأوروبي كارثة بكل المقاييس في نظر كثير من العارفين ببواطن الأمور ـ لست أحدهم بالمناسبة ـ لكن التصويت بالخروج كان نتيجة للجوء المؤيدين للخروج للخطاب الشعبوي الذي يؤجج الحماس والوطنية لدى العامة والدهماء ـ وأنا أحدهم بالمناسبة ـ وأن « بريطانيا العظمى» ستعيش وحدها بمعزل عن العالم وعن أوروبا وأنها تستطيع أن «تقدح» من رأسها دون أن يهمها العالم.

ولا شك أن كثيرا من الشيلات ـ بالإنجليزي ـ وتصاميم الفوتوشوب قد استخدمت في هذه الحملة التي يبدو أنها «ستنكب» بريطانيا العظمى.

صحيح أن مشاركة كل الناس وحريتهم في تقرير أمور حياتهم تبدو فكرة رومانسية وجميلة، لكن تخيل أنه يحق لشخص أن يذهب مباشرة من البار إلى صندوق الاقتراع ليكون لصوته وزن في حياة بقية الناس، تبدو فكرة مرعبة.

الخيار الآخر هو أن تكون المشاركة مقصورة على العقلاء أو «أهل الحل والعقد»، ولكن المعضلة الأخرى هي من «يختار» أهل الحل والعقد؟ وهل هم فعلا أهل حل وعقد؟!

إن كانت السلطة هي من يختارهم فكأنك « يا بو زيد ما غزيت»، لأنها لن تختار من لا يوافق هواها، وإن كان عامة الناس هم من سيختارهم فإننا نعود للمربع الأول. وفي الأنظمة الديموقراطية فإن الناس هم من يختار السلطة، وهذا أيضا يعيد نفس السؤال الذي يشبه سؤال «البيضة والدجاجة « وأيهما يأتي أولا.

أتمنى ـ صادقا ـ ألا تعتقدوا أني أعرف الطريقة المثلى للحكم في هذا الكوكب، أو الطريقة الأفضل لاتخاذ القرار، أنا فقط أفكر بصوت مقروء. لعلي أجد الطريقة المثالية التي أدير بها شؤون الحكم في منزلي دون أن ينازعني أحد سلطاتي.

وعلى أي حال..

أنا حاليا وإلى أن أجد الطريقة الأقوم، أدير بيتي بطريقة تعتمد على حرية التعبير وديكتاتورية القرار (قولوا ما تريدون وسأفعل ما أريد)، فمن حق جميع أفراد المنزل إبداء رأيهم في أي موضوع، والاعتراض على أي قرار، والمحاجة في كل قضية، لكن هذا لا يغير شيئا فيما سأفعل. وأظن بريطانيا العظمى كانت ستجتاز معضلتها لو حكمت بطريقتي.

@ agrni