عبدالله المزهر

الخطوط تحت الحمراء...!

الاثنين - 11 مارس 2019

Mon - 11 Mar 2019

في الأيام القلائل المنصرمات توقفت عن كتابة المقال لأسباب عدة، بعضها يتعلق بظروف تخصني وبعضها الآخر لظروف تخص «الناس الثانين».

وهذا أمر اعتيادي وطبيعي ويحدث في كل مكان، لكن الفكرة المحزنة والمحبطة أنه لم يعلم أحد أصلا أني لم أكتب شيئا منذ أسبوع، وأنا الذي كنت أتوقع أن جلسة طارئة لمجلس الأمن ستعقد في اليوم الثاني لغيابي لمناقشة هذا الأمر وتداعياته ومدى تأثيره على حياة الناس وبقية الكائنات الأخرى.

والحقيقة أيها الناس أن الحياة ما فتئت تصارحني بأني لست شيئا مذكورا، ولكني لأسباب ربما تتعلق بتبلد المشاعر لا أعيرها اهتماما «وأطنش» الإشارات التي ترسلها لي الحياة تلميحا أو تصريحا.

وقد كنت في وقت مضى أشتم كثيرا بعض كتاب الصحف لأنهم يكتبون أشياء لا معنى لها، أفكار سخيفة ولغة مهترئة، ولكني في هذه الأيام أجد لهم العذر، فلا أحد يهتم أصلا بما يكتب، والقراءة عموما وقراءة المقالات على وجه أخص، ليست في أعلى قائمة أولويات الناس. صحيح أن هناك من يراقب ويبحث بين السطور عن الزلات والهفوات، لكي يستثير الجموع التي ستهاجم دون أن تقرأ وستشتم دون أن تفهم.

والكاتب أو رسام الكاريكاتير في صحفنا الغراء وإعلامنا الأغر إن قدر له الهروب من رمضاء التكفير والتفسيق فإنه لن ينجو من نار التخوين.

لا يوجد من يلجأ إليه أو يحميه أو يدافع عنه، وقد ينتهي وكأنه لم يكن بسبب مقال يتكلم فيه عن أسواق الخضار، أو رسمة عن «الفحص الدوري»، لأن خطوط الرقابة ليست حمراء كما يشاع ولكنها غير مرئية، لا أحد

يعرفها ولا يعرف لونها ولا شكلها، وما هو مسموح اليوم قد توقع بسببه غدا، وما هو ممنوع اليوم قد تلام إذا لم تكتبه في الغد.

وقد سمعت عن جمعية لكتاب الرأي ولكنها هي الأخرى غير مرئية وفكرتها لا تختلف عن فكرة استراحتنا، يجتمع فيها مجموعة من الأصدقاء والمعارف يقولون كلاما لا يتعدى تأثيره جدران استراحتهم، ويتناولون الكثير من الوجبات ويتسامرون ثم يذهب كل لشأنه، أي أنها في الواقع لا علاقة لها لا بالكتاب ولا بالرأي.

أما هيئة الصحفيين فمجرد ديكور يشبه المكتبة في مجلس الأمي، ووجودها ليس مثل عدمها بالطبع، لأن عدمها أكثر فائدة ومنطقية.

وعلى أي حال..

الأمر ليس مؤسفا كثيرا، في الحياة أشياء أخرى أشد أسفا، وخيبات أخرى أكبر من خيبة إعلام يخاف من «الغوغاء»، ويحسب حساب المجاهيل ويخاف من ردة فعل أناس لا يعرفهم وليس لهم أسماء ولا أشكال.

أنا مثلا أظن أن خيبة أملي في تراجع ليفربول عن صدارة الدوري، وخسارة الاتفاق ظلما وعدوانا أكثر من خيبة أملي في الإعلام وفي الكتابة وفي الأوراق والأقلام والكيبوردات.