طلال الحربي

مساعدة نتنياهو على الانتحار

الاحد - 10 مارس 2019

Sun - 10 Mar 2019

ربما يذكر التاريخ، إذا كان منصفا، الرئيس السابق جيمي كارتر، بأنه أكثر الرؤساء الأمريكيين نزاهة وصدقا وشجاعة عند الحديث عن الصراع العربي - الإسرائيلي.

هذا الرجل الذي بلغ الرابعة والتسعين من عمره، لا يزال يتمسك بإيمانه العميق بحقوق الشعب الفلسطيني مثلما عبر عن ذلك في كتابه «فلسطين: السلام لا التمييز العنصري» الذي نشره في عام 2006 وترجمته دار العبيكان السعودية وكان من بين الكتب الأكثر رواجا.

أثار الكتاب جدلا واسعا، وتعرض مؤلفه لهجمة شرسة من اللوبي الإسرائيلي ومناصروه في الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب ما ورد فيه من مناقشة جادة وصريحة، على نحو غير معهود، لنفوذ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، ودوره في توجيه السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.

وقد وصفه منتقدوه بأنه «كاره لليهود» وأصبح مكروها أكثر من أي رئيس أمريكي آخر.

وقد أكد كارتر أنه غير معاد لليهود، وإنما لسياسة الاحتلال والتمييز العنصري التي مارستها وتمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد الفلسطينيين، وقال في مقابلة مع محطة تلفزة إسرائيلية يوم الاثنين الماضي «ما أود أن يعرفه الإسرائيليون هو أن هدفي الأول في الحياة هو أن تستطيع إسرائيل أن تعيش بسلام مع جيرانها».

وهو يعرف ما يقول بناء على خبرته السياسية التي استثمرها في إقناع الرئيس أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن الذي كان يرأس منظمة شتيرن الإرهلبية التي اقترفت فظائع تقشعر لها الأبدان بحق الفلسطينيين العزل، بتوقيع اتفاقية السلام في عام 1979.

إن السبب الذي يجعل نتنياهو لا يريد السلام كما يراه العالم هو أنه كاذب بطبعه، وآخر كذباته حديثه عن علاقات خفية مع دول الخليج العربية.

وهو يعتقد بأنه يجعل العالم يصدقه، من خلال اتباع نصيحة غوبلز، وزير البروباغندا النازي «اكذب ثم اكذب وسوف يصدقك العالم»، لكن الذين خبروه يعرفون بأنه يكذب، ففي اجتماع قمة العشرين التي عقدت في مدينة كان في عام 2011، قال الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي للرئيس باراك أوباما «لا أستطيع أن أنظر إليه - يعني نتنياهو - لأنه كذاب»، فرد عليه أوباما «هل فاض بك الكيل منه؟ وماذا عني وأنا أتعامل معه كل يوم!»، كانت الميكروفونات مفتوحة سهوا فسمع العالم ما دار بين الرجلين.

أما السبب الآخر الذي يجعل نتنياهو يتمادى في الكذب وفي رفض كل دعوات السلام وقرارات الأمم المتحدة والمبادرات، ومنها المبادرة التي طرحتها المملكة، فهو الدعم اللا محدود الذي يتلقاه من الإدارة الأمريكية التي اعترفت بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقلت سفارتها إليها وألغت كل أشكال الدعم الاقتصادي والسياسي للفلسطينيين، بما في ذلك إغلاق ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وحجب الدعم عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - الأونروا. وهذا ما شجع نتنياهو على سن قانون يهودية الدولة وبناء مزيد من المستوطنات اليهودية وانتهاك حرمة المسجد الأقصى وهدم البيوت والاعتقالات.

كان الأجدى لو أن الإدارة الأمريكية ضغطت على نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف لقبول حل الدولتين الذي يقبله الفلسطينيون وتدعمة الدول الأوروبية. وهي تستطيع ذلك، فقد فعله الرئيس دوايت آيزنهاور عام 1957 عندما أجبر إسرائيل على الانسحاب من سيناء.

لكن هذا يحتاج إلى شجاعة وصدق وإيمان بالعدالة، وليس إلى الكذب والكيل بمكيالين.

والحقيقة أن الذين لا يصارحون نتنياهو بكذبه، إنما يرخون له الحبل ليشنق نفسه، ويبدو أن مدة صلاحيته قد انتهت وعلينا أن ننتظر كذابا آخر!

@alharbit1