محمد النفاعي

لا تنسوا أرانب السباق

الجمعة - 08 مارس 2019

Fri - 08 Mar 2019

فوجئت بردة الفعل الإيجابية جدا من أحد الموظفين المتمرسين في الخبرة بعد أن استدعيته لحضور أحد الاجتماعات مع الإدارة العليا لمناقشة أحد المشاريع، والذي كان له بعض المساهمات الاستشارية فيه. كنت أعتبر ما فعلته شيئا طبيعيا كنوع من الامتنان لما قام به، ومن باب المكافأة المعنوية تأكيدا لأهميته في المنظومة بشكل عام. هو يعلم أن المكافأة الكبرى والجائزة العظمى ستذهب لشخص آخر، ولكن اكتفى بما هو متاح من الاعتراف ضمنيا بأنه جزء لا يتجزأ من صناعة النجاح الأكبر. هذا الشخص كأنه الرياضي المحترف الذي يقوم بدور مشابه له في مسابقات ألعاب القوى المحترفة ويسمى بـ «أرنب السباق» الذي عرف للمرة الأولى عام 1954.

من المعلوم أن الاتحاد الدولي لألعاب القوى ينظم مجموعة من اللقاءات للرياضين المحترفين في ألعاب القوى. هذه اللقاءات تنتقل من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة في جميع أنحاء العالم خلال الموسم الرياضي. يحرص المنظمون لكل ملتقى على أن يكون ملتقاهم هو الأشهر والأفضل مقارنة بغيره، في سعيهم الحثيث لتحقيق الشهرة والأرباح المادية. إحدى طرق تحقيق هذه الأهداف هي مشاركة كبار الرياضيين للحصول على الزخم الإعلامي والجماهيري ومن ثم الرعاة.

في المقابل، يحاول الرياضيون الكبار المشاركون في هذه الملتقيات كسر الأرقام القياسية، لذلك يشترطون على المنظمين توفير جميع سبل النجاح لتحقيق الهدف. أحد هذه السبل توفير أرنب للسباق، وبالتحديد لسباقات المسافات المتوسطة والطويلة. الأرنب طبعا ليس الأرنب الذي نعرفه، ولكنه رياضي محترف متمكن، دوره تسريع السباق والتحكم بنسقه بحسب الخطة الموضوعة مع المنظمين والأبطال من أجل المساعدة في تحطيم الرقم القياسي.

يذكر أن الأرنب يجب أن ينسحب في منتصف السباق تاركا المجال للباقين للتنافس على الجائزة الكبرى والحصول على المجد والشهرة. له في النهاية جائزة مالية تزيد مع نجاح المهمة التي وكل بها. إذن أرنب السباق محفز للباقين وله دور إيجابي لا يتجاهله المسؤولون عن التنظيم بشكل خاص ولا المنظومة الدولية بشكل عام.

في بيئة العمل ما أجمل أن ينتبه المسؤولون لأرانب السباق داخل المنظومة ولا يخسروهم مبكرا حتى لا يصبحوا سلاحف. عن طريقهم نستطيع أن نستخرج الأفضل من الجميع، مع عدم تجاهلهم تماما في الحصول على جزء من المكافأة الكبرى.

هؤلاء الموظفون قد يكونون الخبراء من مواطنين أو أجانب أو الموظفين الشباب أو حتى من يعملون في الخدمات المساندة كالسكرتارية أو مسؤوليات التنسيق والمساندة على اختلافها. المهم هنا هو الوضوح في تحديد أدوارهم وإظهار الامتنان والعرفان بما يقومون به. مكافآتهم قد تكون أشياء بسيطة جدا بالنسبة لك كمسؤول، ولكن وقعها كبير على المتلقي. وهنا نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».

في بداية حياتي العملية دعوت أحد الزملاء الأجانب القادم حديثا لوجبة غداء في المنزل بحسب التقاليد السعودية بجميع فصولها، بعد انتهاء الاجتماع الذي جاء من أجله من مكان بعيد، بدلا من الذهاب لمطعم العمل. أثر ذلك كان كبيرا عليه لدرجة أنه لم ينس هذا الأمر، وكلما التقينا لاحقا كان يثني على هذا الفعل ويبدي تقديره واستعداده للمساعدة إن احتجتها حتى تقاعد من العمل.

نختم ببيت مليء بالحكمة من الشاعر الحطيئة:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس