برجس حمود البرجس

توطين الوظائف القيادية

الأربعاء - 06 مارس 2019

Wed - 06 Mar 2019

«التوطين من أعلى الهرم» أو «توطين الوظائف القيادية» يختلف عن «توطين الوظائف المجدية» التي ندعمها جميعنا، ونرى أنه سهل تطبيقها حتى وإن تطلبت بعض التجهيز لسوق العمل، سواء للوظائف الطبية أو المهندسين أو خريجي الدكتوراه والماجستير وبقية الخريجين. ولكن توطين الوظائف القيادية يحتاج إلى خبرات بعضها يصل إلى 15 سنة، وسواء اتفقنا أو لم نتفق، صاحب العمل هو من يقرر.

البرامج التي تعملها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية للتوطين تتضمن العمل مع الشركات والقطاع الخاص لتوسع الأعمال والتوطين من خلالها، وكذلك عملها مع بقية الوزارات لتوسع القطاعات مثل الصناعات وتقنية المعلومات والسياحة والآثار والترفيه لتوليد الوظائف.

الصورة الذهنية التي رسمها البعض عند كثيرين تلامس جروحهم، ولا ألومهم لأن هدفهم الأكبر هو الحصول على وظيفة، وهذا حق من حقوقهم، وليس فقط حلما بل ضرورة، ولكن عندما نكتب، نحن نكتب عن سوق العمل من منظار التطوير والتوسع لاقتصاد المملكة، حيث إن الوظائف القيادية لا توطن إلا بنفس الكفاءات والتخصصات.

المطالبة بعمليات الإحلال العشوائية بغض النظر عن التخصصات والخبرات ستتسبب في تقليص عدد المنشآت، وبالتالي تتقلص الفرص الوظيفية الجديدة وعدم التوسع بالأعمال، وأيضا سيكون هناك تسريح لكثير من السعوديين والسعوديات نظرا لتقليص عدد المنشآت.

المكان الصحيح لتوظيف الجامعيين هو التوسع بالأعمال وتطوير سوق العمل لتوليد الوظائف، فالمهندس والطبيب وبقية المختصين سيعمل كل منهم في المكان المناسب له وبحسب الإمكانات للموظف، ونؤكد ضرورة برامج التطوير المستمر للخريج حتى بعد بدئه للعمل.

حديثنا دائما عن تطوير الاقتصاد وتوليد وظائف جديدة، وليس عمليات إحلال قد تتسبب في إغلاق منشآت، فلو تعاطفنا مع النصف مليون جامعي وجامعية الباحثين عن عمل (88% منهم سيدات)، وافترضنا جدلا أننا سنستبدلهم بالوافدين، يجب أن نعلم أننا بحاجة إلى ترحيل كل وافد بالمملكة راتبه أكثر من 5000 ريال (أيضا عددهم نصف مليون وافد بوظيفة قيادية وغير قيادية) واستبدالهم بالمواطنين الباحثين عن عمل.

هذا يسبب مشكلتين (لو افترضنا أنه تم)، فالإحلال سيكون بجامعيات وجامعيين بدون خبرات بمكان أصحاب خبرات وأيضا بغض النظر عن التخصصات، والمشكلة الأخرى التي توضح أن التوسع وتوليد الوظائف مهم، هي أنه بعد هذا الإحلال بالكامل لن يكون لدينا أي وافد راتبه أكثر من 5000 ريال بعد اليوم، فكل خريج جديد علينا أن نوظفه مكان وافد راتبه بين 3000 ريال و5000 ريال، والذين يصل عددهم إلى 430 ألفا.

هذا فقط توضيح بسيط لما سنكون عليه غدا ما لم نتوسع بالأعمال وتوليد الوظائف، بينما يردد البعض مقولة «التوطين من أعلى الهرم» دون النظر لأهمية الخبرات والتخصصات والتوسع بالأعمال وتوليد الوظائف.

أين يعمل هؤلاء الوافدون القياديون الذين نبحث عن استبدالهم بمواطنين؟

أكثر من 96% من شركاتنا عدد موظفيها أقل من 60 موظفا سعوديا أو وافدا، ولتفاصيل أكثر 74% من المنشآت بالمملكة عدد موظفيها أقل من 20 موظفا، ولا أحد يطمح بوظائفها القيادية، حيث إن العمل بهذه الشركات ليس آمنا وليس من طموح الشباب والشابات.

ونصف بقية المنشآت (2% من الـ 484 ألف منشأة بالمملكة) عدد موظفيها أقل من 100 موظف، وأيضا لا يطمح بها كثيرون وغالبيتها شركات مقاولات وتجزئة ولا تناسب كثيرا من التخصصات. هذه الإحصاءات تعطينا تصورا مختلفا عن الصورة الذهنية التي يحاول أن يرسمها البعض.

لدينا 68 ألف جامعي و499 ألف جامعية يبحثون عن عمل بالمملكة، وأفضل طريقة لتوظيفهم هي التركيز على برامج التطوير وتجهيزهم لسوق العمل في العموم، وطبعا هناك حالات استثنائية والبعض منهم جاهز لسوق العمل فبكل الأحوال البدء للعمل بالنسبة لهم سيكون كوضع أي خريج بدون خبرة، وهناك بعض منهم لديه خبرات قليلة، ولكن بكل الأحوال لا يمكن استبدالهم في الوظائف القيادية بغض النظر عن الخبرة وتطابق التخصص، لأننا نطمح إلى توظيفهم بالوظائف المجدية لهم.

دعونا نفترض أننا وظفنا كل الجامعيين والجامعيات الباحثين عن عمل اليوم، وعددهم مطابق لعدد الوافدين الذين رواتبهم 5000 ريال وما فوق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى دعونا نفترض أننا وظفنا بقية الباحثين عن عمل من مواطنين ومواطنات والذين يحملون الشهادة الثانوية وما دون، وعددهم مطابق لبقية الوافدين الذين رواتبهم بين 3000 ريال و5000 ريال، بذلك نكون وظفنا جميع الباحثين عن عمل مكان كل وافد بالمملكة راتبه 3000 ريال وما فوق، والعدد متطابق 100%، طبعا هذا إحلال عشوائي ولكن دعونا نفترضه. ماذا بعد ذلك؟ كيف سنوظف المليوني مواطن ومواطنة الذين سيدخلون سوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة (400 ألف مواطن ومواطنة بالسنة)؟ هل سنستهدف وظائف العمالة الوافدة التي رواتبها 3000 ريال وما دون؟

لذلك نكرر أهمية التركيز على برامج التطوير للكوادر البشرية الوطنية والتوسع في الأعمال وتوليد الوظائف والإحلال من خلالها للوظائف المجدية وليس الوظائف القيادية، والاستمرار على بناء سوق العمل.

بقي أن نذكر أن توطين الوظائف القيادية مطلب أساسي وبحاجة لبرامج تطويرية، وتكون عملية التوطين بالتخصصات الصحيحة والخبرة الكافية، مع مراعاة تطوير سوق العمل للمصلحة العامة.