مرزوق تنباك

الشبان.. وحين يصيبنا عمى الألوان

الثلاثاء - 05 مارس 2019

Tue - 05 Mar 2019

شاعرتنا الجميلة الأستاذة الدكتورة هند المطيري أعلنت في تغريدة في حسابها في تويتر في مطلع الأسبوع الماضي ضيقها من شيوخ كتاب الرأي في الصحافة المحلية وتعليلهم - أي الشيوخ - كساد سوق الصحافة الورقية إلى ظهور ضرتها الالكترونية، والسبب عند الدكتورة هند غير ذلك، السبب عندها في وجودهم الأزلي وتناولهم المكرور للموضوعات، وأساليبهم الكتابية التي بهتت وعفا عليها الزمن. وأنهت الدكتورة هند تغريدتها بندائها: يا آل صحافة لقد ذويتم فاتركوا المجال للأجيال.

قرأت التغريدة وأعدتها وفضلتها موافقا ومتفقا لما جاء فيها وكدت - ولم أفعل - أن أقدم استقالتي من الصحافة وإعلاني التنحي الفوري بناء على طلبي لترك مكاني للشباب الذين يبدو أن شيوخ الصحافة سدوا الطريق أمامهم وأغلقوا مشارف المستقبل عليهم، ولم يتركوا لهم فرصة الوصول والاختراق إلى عالمهم الموعود، ولمراجعة القرار وعدم التسرع في اتخاذ موقف قد لا تحمد عقباه، عدت بالذاكرة إلى اليوم الأول الذي رأيت اسمي قد أدرج على الصفحات في مقالات الرأي، وقد اقترفت ذلك الإثم لأول مرة فيما أظن عام 1974م أو العام الذي يليه، ومنذ ذلك الحين عددت سني خدماتي في بلاط صاحبة الجلالة، وإذا هي أكثر من أربعين سنة مع أنه يعتريها التوقف بعض الأحيان والانقطاع في أحيان أخرى والتنقل من صحيفة إلى أختها أو ضرتها ثم أنسحب وآخذ راحة وأعيد ترتيب الأوراق لعودة لا تقل حماسة واندفاعا عن سابقتها، حتى ورطني أخي الصديق الدكتور عثمان الصيني سامحه الله بالالتزام، وربطني في صحيفة مكة المكرمة فلم أستطع الانفكاك منها إلى غيرها، ولم أنقطع عنها منذ صدرت قبل عدد من السنوات حتى اليوم.

ولشدة موافقتي لما أشارت إليه الدكتورة هند كاد يستفزني الشيطان استجابة لدعوة الزميلة الغالية فأترك الرأي لأهله والصحافة لأربابها بعد هذه السنين الطوال من الركض المستمر والعناء الدائم والصداع الذي يسببه لنا نحن كتاب الرأي خطأ غير مقصود أو زلة قلم أو لسان أو تجاوز للخطوط الحمراء عندما يصيبنا عمى الألوان، أو غفلة عن كلمة ندت ولم نستدركها بالبعض الذي كانت سلاحا مساعدا نلوذ به عن التعميم، وكثيرا ما ورطنا نسيانها، أقصد البعض بدل الكل، في مأزق أو موقف قد نكون في غنى عنه، موقف لا يحمدك عليه إلا من شاء ربك وقليل ما هم.

والسبب الذي طالبت الدكتورة هند مغادرة شيوخ الصحافة لمواقعهم من أجله هو فسح المجال أمام الأجيال ليجدوا الطريق فارغا وأبواب الصحافة مفتوحة مشرعة فيدخلوا بسلام من أيها شاؤوا وشاءت لهم الأقدار.

ولكن هذا السبب نفسه هو ما جعلني أرفض المغادرة، بل أدعو شيوخ كتاب الرأي في الصحافة إلى الصمود والتحدي للشباب حتى لا يتركوا لهم الساحة خالية والطريق سالكة بلا عوائق ولا عثرات، الشباب الذي نحلم أن يخلف الشيوخ ليس هذا الذي تمهد له الطرق وتذلل له العقبات وتسخر له الممكنات ويزاح الشيوخ عن طريقهم ليستطيعوا السير الآمن وحدهم، الشباب الذي ننتظره هم أولئك الذين سيملؤون مكان الشيوخ ويحلون محلهم بقوة وجدارة واستحقاق يصنعون الطريق الذي يرضونه لأنفسهم، وليس هذا النوع الذي يبحث عن المكان الخالي من المزاحمة، ولكنه الشباب الذي يصنع لنفسه مكانا في ضجيج الزحام والتحدي، الشباب الذي يدفع ما يقف في طريقه بالمنكب القوي والإرادة السامية إلى الهدف الذي يريد ويصنع لنفسه المستقبل الذي يليق به ويبز الشيوخ خبرتهم ويتجاوز تجربتهم بما هو أفضل منها أو يضيف إليها ويزيد فيها.