حسن علي العمري

العنف الحيواني

الخميس - 28 فبراير 2019

Thu - 28 Feb 2019

عندما تصب فئة من الناس جام غضبها على حيوانات لا حول لها ولا قوة بعد تكبيلها أو ربطها بمؤخرة مركباتهم، وجرها في الشوارع أمام الملأ حتى الموت أو حرقها أو قطع أجزاء من أطرافها وما شابهها من صور العنف الحيواني كمؤشرات على سوء طوية فاعلها، فتلك سلوكيات منحرفة ظلت كامنة في دواخلهم حتى عبروا عنها بتلك الصور المؤسفة.

ومع مرور الوقت أعتقد جازما أن ممارسها سيحول هذا العنف لبني جنسه من البشر عندما تسنح له الفرصة لاحقا، ولا يجد من يردعه بالنظر لارتباط الصلات بين أنواع العنف بغض النظر عمن توجه له.

عندما تجرم صور الاعتداء على البيئة ومقدراتها على صورة قوانين ملزمة فإن الاعتداء على الحيوانات بأي صورة وتعذيبها وهي حية بدم بارد لا بد أن يطالها هي الأخرى التجريم، ولنا في نهجنا الإسلامي القويم من الدلائل ما يكفي على أهمية الرفق بالحيوان وتحريم إيذائه حتى عند الحاجة لاستهلاك شيء منه وفقا للطبيعة السليمة، فيكون بالاستفادة من المباح منها ودون إجحاف أو حيف أو أن يتم تصبيرها بأي وسيلة، مع أهمية تحقيق التوازن بين تحقيق غاية الإنسان من الانتفاع بها ومراعاة الرحمة والرفق في استخدام الوسيلة لذلك، كما نهت الأديان كافة عن العبث بالحيوان أو تعمد إيذائه أو تحميله ما لا يطيق في وقت يعجز فيه عن التعبير عن مكنونه وما يعانيه.

وتاريخيا نادى كثير من الفلاسفة والعقلاء بحفظ حقوق الحيوانات لدورها في حفظ توازنات الوجود الكوني، وأن هذه المسؤولية تكمن في حمايتها من الاستخدام الجائر أو المعاملة القاسية.

وبين الفينة والأخرى تطل علينا في مجتمعنا المحلي حوادث تعذيب الحيوانات والتمثيل بها وسحلها في مشاهد مؤذية للمشاعر السوية، ولا أعلم سر الشعور الذي يتولد لدى هؤلاء من تفاخرهم ومبارزتهم بهذه الممارسات الدونية في العلن دون أدنى شعور من حياء أو خجل أو خوف، ما يعكس سوء تعاطي هؤلاء مع المقدرات المحيطة بهم بعد أن أشبع فاعلوها بثقافة مشوهة قد تكون جزءا من نتاج مجتمعهم الخاص وواقعهم الذي يعيشونه، لأن هؤلاء جزء من نسيجنا الاجتماعي الذي نعايشه ونعلم كيفية تعاطيه مع الوقائع.

ورغم الاستهجان السائد لمثل هذه التصرفات واستمطار الدعوات القاتلة والمؤذية عليهم إلا أنني أرى أن الأمر أبعد أثرا من حوادث عاطفية مرت بما أحدثته من آثار ثم دخلت أضابير النسيان، فواقع الأمر هو تشويه لكل منجز حضاري يمكن أن ترسمه الدولة وتقدمه للعالم الخارجي فتضعها هذه التصرفات الجهلاء على المحك، إذا ما علمنا أن حركة المجتمعات منتجة لثقافتها ليصبح أفرادها أسارى لهذه الثقافة سلبا أو إيجابا، وبالتالي فتغيير ما هو سلبي يحتاج وقتا طويلا، ولأن كافة المؤسسات المجتمعية سواء كانت تعليمية أو ثقافية أو فكرية تتحمل الجزء الأكبر من تلك المسؤولية كونها الحامل لشعلة التحول في المجتمعات عندما تدار من نخب مؤهلة لإحداث هذه التحولات السلوكية الإيجابية، وقد يحتاج واقع الحال الى الدفع بقرار سيادي لكافة المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني لإعادة صياغة وعي جديد في هذا الاتجاه متوافقا مع الواقع العصري في ظل وجود قانوني جازم.

الشعور بعدم الخجل من السلوكيات الشاذة عند ممارستها أمام الملأ مرحلة خطيرة حينما يصل لها فاعلها، لأنها تنبئ عن مخاطر عدة خفيه وتحتاج لتدخلات علاجية.

عدم قيام أفراد المجتمع الأسوياء بأدوارهم في إبلاغ السلطة عن أي تصرف خارج عن المألوف يجعلهم مؤاخذين بالمشاركة في هذا الفعل لأن ذلك رضا ضمني بذلك.

تجريم مثل هذه الظواهر وإعادة إدراجها في الأنظمة السارية ومعاقبة فاعلها وفق القواعد العامة للعدالة حتى صدور النظام المناسب لها مع ضرورة إشهار العقوبة في سبيل تقويم مثل هذه السلوكيات وضبطها.

[email protected]