عبدالله المزهر

الدماء الساخرة والموت الظريف..!

الأربعاء - 27 فبراير 2019

Wed - 27 Feb 2019

العالم ليس على شفير هاوية الحروب التي لا تبقي ولا تذر فقط، لكنه على شفير هاوية اليأس، ولذلك أيها الناس فإن استقبال أخبار الحروب والموت والدمار بالسخرية أمر أشد وطأة وخطرا من الحرب نفسها.

لأن هذا ربما يعني أن الإنسان ـ خليفة الله في الأرض ـ لم يعد يكترث بشيء، ولم تعد الأمور تشكل معه فارقا كبيرا، هناك رغبة خفية لدى كثير ممن يدب على هذا الكوكب في أن تقع الحرب الأخيرة التي تنتظرها البشرية وتعتقد أنها حرب الخلاص.

عندما استيقظت صباح اليوم ـ الذي هو الأمس في توقيتكم ـ وجدت الأجواء جميلة وغائمة والمطر يقدم غيمة ويؤخر أخرى وهو يفكر بالهطول، وقد كان يمكنني تجاهل أي أمر آخر والاستمتاع بهذا الصباح الجميل، لكن «اللقافة» أعيت من يداويها. فتحت تطبيق النميمة الشهير «تويتر» ووجدت أنه لا صوت يعلو على صوت الحرب، وأخبار المناوشات الهندية الباكستانية تطغى على أي شيء آخر. وأخبار الحروب أمر اعتيادي، فالقتل هو أكثر عمل مارسه الإنسان منذ أن تواجد لعمارة الأرض. ولذلك يبدو الآن بعد ملايين السنوات ـ أو أيا كان عدد سنوات تواجد الإنسان ــ أن سؤال الملائكة عند خلق الإنسان كان مبررا «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء»، ربما كان لديهم علم بما سيحدث أو أنه حدث من قبل، الباعث على الاطمئنان أن لكل شيء حكمة، قد نعلمها وقد نجهلها، والله سبحانه خالق الملائكة وخالق البشر يعلم ما لا يعلمون.

الأمر غير الاعتيادي الذي بدا ملاحظا كثيرا على أخبار القتل والحرب والدمار والاستبداد والبطش والظلم والتهجير والقهر هو أن كثيرا من البشر أصبح يتعامل معها بسخرية، ولم تعد تشكل فارقا ولم يعد الناس يحزنون ويصيبهم الضيق أو الحزن أو الخوف من عواقب الأمور.

الحرب ـ أي حرب ـ ليست مباراة ستنتهي بصافرة الحكم وتصافح الفريقين وابتسامة الخاسر وتواضع المنتصر، إنها تعني ببساطة أن بشرا يفقدون حياتهم ويقتل بعضهم بعضا دون أن يكون بينهم خلاف شخصي أو سابق معرفة، والحرب لم تعد عراكا يدور في ساحة بعيدة بين مجموعة من المقاتلين، المدنيون الأبرياء الذين لم يفكروا يوما في قتال أحد هم أكثر ضحايا الحروب، وأنت ـ نعم أنت ـ لست بعيدا عن أي حرب مهما تخيلت أنها لا تعنيك، قد يكون من نتائج الحرب التي تعتبرها مادة للسخرية أن كل ما حلمت به وما تمنيته وما تصورته عن الحياة سيذهب في لحظة، سينتهي كل شيء قبل أن يبدأ.

وعلى أي حال..

فإني أتمنى ألا تعتقد أني أنصحك أو أطالبك بالهلع والخوف، لأني ببساطة لم أخف، وقلت لأصدقائي عددا لا بأس به من «النكات» عن طبول الحرب التي تقرع في الجوار، كل ما في الأمر أني أريد أن أفهم لماذا لم يعد الموت مخيفا كما كان من قبل، ولماذا لم يعد القتل خبرا مفزعا، لماذا لم يعد يكترث الإنسان بشيء؟ أريد أن أعرف الجواب حتى ولو على هيئة «نكتة» سخيفة.

agrni@