عبدالله العولقي

الرؤية.. نحو الشرق

السبت - 23 فبراير 2019

Sat - 23 Feb 2019

تحدث عدد من الكتاب والمحللين حول زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان والهند والصين، وعدوها خطوة عبقرية، كونها تأتي في أطر عدة تشكل في مجموعها المكانة السياسية والاقتصادية التي تحظى بها المملكة كونها تمتلك الثقل الاستراتيجي والجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، فشطآنها الشرقية تطل على الخليج العربي لتشكل الحاضنة الكبرى لدول مجلس التعاون الخليجي، بينما تطل شطآنها الغربية على دول حوض البحر الأحمر لتشكل مع هذه الدول الممر البحري الاستراتيجي بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، كما تتميز المملكة بالمركزية الإسلامية كونها تحتضن المشاعر المقدسة التي تهوي إليها أفئدة أكثر من مليار مسلم على سطح البسيطة، إضافة إلى أنها تشكل العمق العربي لأنها تشكل الجغرافيا الأكبر لشبه الجزيرة العربية، وهي فضاء ومصنع العرب القديم قبل الفتوحات الإسلامية. ففي باكستان، الدولة النووية، استقبل ولي العهد استقبالا شعبيا حافلا ينم عن المحبة التي يبديها الباكستانيون لهذا القائد الملهم لأمته الإسلامية، وقد أسفرت الزيارة عن توقيع اتفاقيات استراتيجية مهمة تعود بالنفع الاقتصادي للشعبين المتحابين، ولهذه الزيارة جانب سياسي حيوي كون باكستان تحاصر الحدود الإيرانية من الجانب الشرقي، وتشكل حاجزا منيعا ضد التصدير الثوري والمشاريع التخريبية التي تتبناها طهران.

وفي بلاد الهند، عبر سموه عن ضرورة إحياء العلاقات التاريخية بين العرب والهنود، والتي كانت تشكل حينها إثراء اقتصاديا في المنطقة في العصور القديمة، فهذا يشكل امتدادا طبيعيا لتلك العلاقة المتجذرة في العقول والدماء كما أبدى سموه، ولذا، فقد أسفرت الزيارة التاريخية عن إقامة مجموعة أعمال كبرى من الاستثمارات المشتركة، ويكفي أن العملاق الهندي في تناميه الاقتصادي الكبير يعتمد في مشاريعه التنموية والاستثمارية على النفط والصناعة البتروكيماوية السعودية، ومن هنا تأتي الأهمية الاقتصادية لهذه الزيارة.

وحول الشعب الهندي الشقيق، يشار إلى أنه قوة منتجة وكفاءة متميزة، فالمملكة تحتضن نحو ثلاثة ملايين عامل يساهمون في بناء الاقتصاد الوطني لبلادهم، وفي الغرب أثبت الهنود كفاءة إدارية منقطعة النظير، فهم يتبوؤون مناصب الإدارة التنفيذية في أغلب الشركات الكبرى في أمريكا وأوروبا، ولعلهم أثبتوا جدارتهم الإعجازية في وادي السيلكون والمجال التقني، حيث إنهم تفوقوا على عباقرة الغرب في عقر دارهم! كما يمتلك الهنود خبرة سياحية رائدة ومتراكمة ستستفيد منها المملكة عبر توقيع اتفاقية وزارة السياحة الهندية مع هيئة السياحة والتراث الوطني، إضافة إلى نقل الخبرة الهندية في مجال السينما، فهي أكبر بلد منتج للأفلام في العالم عبر شركات (بوليود) الشهيرة، ولا سيما أن المملكة تتهيأ لنقلة نوعية في هذا المجال تتواكب مع الرؤية الوطنية 2030.

وحول زيارة سموه إلى الصين، فالصين تمتلك سيرورة خبرة اقتصادية عظمى تستحق أن نطلق عليها (المعجزة) عندما حولت أكثر من 600 مليون شخص يقبعون تحت خط الفقر إلى قوة بشرية منتجة تساهم في بناء الاقتصاد الصيني بكل حيوية، فالكثافة البشرية في الصين قد تحولت بالإرادة الوطنية من العبء والثقل المالي على الاقتصاد الوطني إلى أداة حيوية وفاعلة في بناء البلاد الصينية، فالهنود والصينيون يشكلون نسبة الثلث من تعداد الجنس البشري في العالم، ويعادل الناتج المحلي الإجمالي لهما ناتج أوروبا بأكملها، ولا يزال هذا النمو الاقتصادي لهذين العملاقين مؤشرا مقلقا أمام الاقتصاديات الغربية التي تخشى أن تبتلعها النمور الآسيوية!

وأخيرا، إن التفات المملكة العربية السعودية نحو الشرق يشكل قفزة اقتصادية عظمى ومهمة، ولا سيما أن باكستان تشكل قوة نووية في المنطقة، بينما الصين والهند عملاقان يتصاعدان في العالم برؤى وطنية راسخة على كل الأصعدة التنموية، ولذا يقول المراقبون الاقتصاديون عن هذه الزيارة «إن كان للغرب باب فإن للشرق أبوابا»