عبدالله المزهر

مخضرمون أكثر مما ينبغي!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 20 فبراير 2019

Wed - 20 Feb 2019

أنا وجيلي ومن سبقنا بإحسان نعاني كثيرا ونجد صعوبات في تقبل التغيرات التي طرأت ـ ولا تنفك تطرأ ـ على الحياة، وأظن أننا ربما الجيل الوحيد منذ نشأة الكون الذي شهد تغيرا في حياته بهذه السرعة.

موجودون منذ كان التلفزيون يعني «الأريل» والقناة الأولى وانتهاء الإرسال في الساعة الثانية عشرة. ونعيش الآن في زمن أصبح لكل إنسان قناة مرئية يبث فيها ما يريد وقتما يريد وكيفما يريد.

ندب على هذه الأرض منذ كان البحث عن المعلومة يعني قراءة بضعة كتب حتى أصبحت المعلومة تأتي قبل أن يرتد إليك طرفك.

نعيش على هذا الكوكب منذ أن كان الناس يستحون من الأفعال المخجلة، حتى زمن أصبح فيه الحياء فعلا مخجلا.

ويقال بأن المخضرمين هم من عاصر جيلين أو فترتين زمنيتين، وأظن أننا مخضرمون أكثر مما ينبغي، فقد عاصرنا أجيالا كثيرة، لأنه حتى معنى كلمة «جيل» قد تغير، كل خمس سنوات هناك جيل جديد لشيء جديد، على سبيل المثال فإن «جيل المنتديات» أصبح أثريا عتيقا قديما مثيرا للسخرية لدى أبناء جيل «التواصل الاجتماعي»، مع أن الفارق الزمني بينهما معدوم تقريبا.

حين قال طرفة «ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا، ويأتيك بالأخبار من لم تزود»، لم يكن يتخيل أن كل سكان المعمورة ستكون مهمتهم في وقت ما أن يأتوك بالأخبار، وأن كل إنسان يدب على وجه الأرض سيكون مقتنعا أن من واجباته أن يبدي رأيه في كل الأحداث، وأن يناقش بانفعال وجدية في الدين والسياسة والاقتصاد والرياضة والأدب، وأن كل كائن بشري سيجد نفسه مرغما أن يبدي رأيه ـ أو ما يظن أنه رأيه ـ في الحرب والسلم. وأن يدلي بدلوه ـ أو ما يظن أنه دلوه ـ في كل ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها.

والمشكلة ـ أو ما أظن أنه مشكلة ـ أن أكثر هؤلاء نزقون مستعجلون، حين يجد مقالة أكثر من عشرة أسطر فإنه يعتقد أنها مضيعة للوقت وأنه «سالفة طويلة مملة»، وكثيرا ما واجهت هذا السؤال الاستنكاري «هل أنت جاد وتريد أن أقرأ كل هذا؟»، مع أن «كل هذا» لا يتجاوز عشرات الكلمات.

وقد يكون متفهما أن يكون هذا المستعجل مشغولا بأمر أكثر أهمية، لكنه في واقع الأمر لا يفعل أي شيء سوى متابعة تفاصيل حياة مشغول آخر لا تعنيه في شيء.

وعلى أي حال..

من الطبيعي أن تختلف الأجيال، وأن يكون لكل وجهة هو موليها، لكن الأمر أصبح سريعا لدرجة أن الجيل قد يتغير كل عام، ثم إن الأشياء التي يتم التخلي عنها في زحمة التغيير تبدو الحياة كلها بدونها مضيعة للوقت. قيم مثل الحياء وعفة اللسان وتقدير الآخرين والصبر وحسن النوايا أصبحت «كماليات» لا تعني الكثير من المستعجلين المشغولين بلا شيء.

agrni@