سهى الحربي

فخ الإصرار

الثلاثاء - 19 فبراير 2019

Tue - 19 Feb 2019

تخيل لو أن ناصر القصبي خريج كلية الزراعة الذي عمل مهندسا زراعيا في بداية حياته المهنية ركز على مجاله وبذل قصارى جهده واستمر كمهندس زراعي ولم نره يوما نجما يزين شاشات السعوديين بحسه الكوميدي المميز، ماذا لو لم يصارح نفسه بأنه موهوب ولم يستثمر في موهبته؟ ماذا لو لم يقتنص فرصة ندرة الفنانين السعوديين وحاجة القطاع لموهبته الفريدة؟ ماذا لو استمع لأحدهم وهو يقول «الفن ما يؤكل عيش».

أو ليخمن عقلك ماذا سيكون مصير والت ديزني لو تمسك بأول شركة إعلانية أسسها وأصر على إنجاحها ولم يعترف بفشل تلك المؤسسة، ويغلق نشاطها وينتقل لإنشاء شركة لإنتاج الرسوم المتحركة لإنتاج أشهر سلسلة أفلام رسوم متحركة في العالم «ديزني»؟

أو ماذا تعتقد سيكون حال «راي كروك» لو تعلق بهدفه في تحقيق مبيعات عالية للخلاطات الكهربائية، وتجاهل فرصة المخاطرة في محاولة أخذ الامتياز التجاري لمطعم شطائر برجر صغير آنذاك يمتلكه أخوان بسيطان، ليفتح أمامه فرصة الاستحواذ على أضخم مطاعم الوجبات السريعة ماكدونالدز؟

هناك شعرة دقيقة بين كل من «الإصرار والإيمان بالهدف وما بين التعلق فيه»، و»الاستبصار لذاتك وقدراتها وميولها ونقاط قوتها وضعفها وتلك البصيرة في رؤية الفرص المتناثرة من حولك»، وذلك الحدس الذي يهمس لك أن ذلك الطريق هو الطريق الصحيح، فالاستبصار يقودك إلى نقاط قوتك، ويجعلك أكثر صراحة مع نفسك متى تنسحب ومتى تستمر.

غير أن الافتقار للبصيرة كثيرا ما يقود كثيرين إلى الخلط بين الشغف والتعلق كشعورين قد يدفعان كثيرا منا نحو العمل تجاه هدف ما.

شغفك بهدف ما هو شعور يدفعك نحو ما تحب وأنت ممتلئ بالإيجابية والحماس، هو خليط من حدس داخلي يرشدك إلى طريق ما مع وجود كثير من التوقعات والفرص الجيدة نحو هذا الهدف، وهنا يكون إصرارك إيجابيا.

أما شعورك بالتعلق بهدف ما هو عبارة عن ألم يتملك قلبك لأنك لم تستطع فعل اللازم وهو غالبا ما يدفعنا للإصرار السلبي الذي يفتقد لملكة الاستبصار.

ولو تفحصنا القصص الملهمة من حولنا لوجدنا أن الإصرار والاجتهاد لوحدهما لا يكفيان إن لم يختلطا بالاستبصار للذات، وللفرص، وللأخطاء.

أعتقد أن الإصرار سلاح قد نقتنص فيه أهدافنا أو نقتل فيه أنفسنا ومواهبنا وقدراتنا إذا لم نحسن استخدامه.

قد يجبرنا الإصرار أحيانا على أن نركز على اصطياد فرصة واحدة رغم أن هناك فرصة أخرى أقرب واحتمالية اصطيادها أكبر، وهنا نقع في فخ الإصرار، تصبح أكثر حكمة عندما تدرك فخ الإصرار فترتدي هدفا يناسبك يتسع لحجم أحلامك ليس فضفاضا عليك، ولا ضيقا على طموحاتك، تلاحق هدفك في الوقت المناسب والمكان المناسب.