حسن علي العمري

غسل الدماء

الخميس - 14 فبراير 2019

Thu - 14 Feb 2019

اتفقت جميع دول العالم على تجريم غسل الأموال وعدتها جرائم ذات خطورة عالية فأقرت لها العقوبات المغلظة وفقا لأنظمة مكافحة غسل الأموال لمساسها المباشر باقتصاديات الدول وسعيها لتحويل الأموال القذرة إلى نقية لا حرج فيها، ثم توسعت في تتبعها بإقرار التحقيق الموازي لهذه الأنشطة لكي تقضي على منابعها وتوقف مكائن إنتاجها، وفي خلال السنوات الفارطة نشأت لدينا تجارة موازية لغسل الأموال القذرة وهي غسل الدماء البشرية علنا بعشرات الملايين، ملقية بظلالها على أخلاق المجتمع في انتكاسة صارخة لمفاهيمه الأصيلة، وللمهتمين فلا يوجد سبب مقبول لكثرة قضايا القتل الضاربة بأطنابها في كل زوايا المجتمع سوى ما يذكيه تجار الدماء والتجهيل الذين يتسابقون عند كل ذائعة في هذا الشأن طلبا للإثراء غير المشروع، مستغلين عواطف المجتمع المجبولة على فعل الخير لتنشأ أساليب التسول عبر تجييش العواطف لجمع الأموال الطائلة في هكذا ظروف وبصورة أخرى أشد توسعا لما يمارسه المتسولون أمام الصفوف في المساجد وعلى أبوابها وفي المحال التجارية وبعض الشوارع، وأنا أسأل أين هؤلاء القوم الذين دفعوا عشرات الملايين - لقاتل معتد - عن ذوي الفاقة والحاجة الحقيقيين المتعففين على الأقل من قبيلتهم أو من أقاربهم ومعارفهم؟ أليس كل واحد منا يعرف العديد من خاصته هم بحاجة لهذا المال أكثر من غيرهم؟ فماذا فعلنا لهم إن كنا صادقين؟ ولماذا يستنهض الجميع قضهم وقضيضهم لإخراج هؤلاء من محبسهم؟ ولو عرف الجميع الأسباب الحقيقية لإزهاق الأنفس البريئة لما دفع لأحدهم هللة واحدة، لأنهم بغاة لم يكن أحدهم في الغالب الأعم مدافعا عن عرض أو مال أو نفس، ولكن كل تساؤلات القوم حتما ستبدد عند مشاهدتهم لأي المقاطع المصورة والمنشورة لأحد الذين زادت بهم أموالهم وجهلهم معا وهو يحرض بكل سفاهة على القتل قاطعا وعدا على نفسه أنه سيبيع أبراجه وفنادقه وسياراته وكل ممتلكاته عند الحاجة لكي لا ينفذ حكم القضاء الشرعي في أحد القتلة من بني جلدته كدعوة صريحة للعيث في دماء الآخرين، وهذا ولا ريب تحد صارخ لسلطان الدولة وأنظمتها الحاكمة وهو فعل يوجب تحريك الدعوى العامة ضده لمقتضيات المصلحة العامة، درءا لإثارة الفتن وتأديبا له ولمن على شاكلته، فهذه الأفعال تؤدي إلى تعميق ثقافة التعصب والانتهازية ملقية بأحجار في طريق سير المجتمعات لصناعة التقدم، كما أنها تنشط ثقافة التخلف والكراهية بين مكونات المجتمع، فيما كنا نعتقد أننا قطعناه من أشواط في سبيل رفع الوعي المجتمعي وترسيخ القيم الإيجابية ليأتي من يستغل ويستخدم تلك التعبئة السلبية للعقول إما لإدارة مواقف معينة أو لخدمة مصلحته سعيا لكسب مادي ليخلق لدينا إشكالية الولاء الإثني لكثير من أفراد المجتمع، وهذه المسالك فيها من الخطورة ما لا يتصور على المدى القريب والبعيد، فعند تعمقها واستفحالها ستتحول في نهاية المطاف إلى مدية مغروزة في خاصرة قيم الدولة المدنية الحديثة.

ومحاربة هذه السلوكيات واجب وطني يتحمل نجاحه أو فشله الجميع على كافة المستويات.

1 تتشابه طرائق شحذ المال بين من يبتغي المليون ومن يطلب الريالات، ففيهما إراقة لماء الوجه والكذب واستجلاب العواطف وبذل شيء من الدموع عند الحاجة.

2 الكثير من تجار الدماء وصلوا للإثراء غير المشروع من العدم نتيجة إذكاء هذا الأمر والسعي فيه بقصد ظاهره الإصلاح وطلب العفو، وباطنه جمع ملايين الريالات من دماء الآخرين.

3 كما تطورت لدينا قيمية ما يسمى بالهياط الاجتماعي فسنصل حينا من الدهر تكون الديات بعشرات الملايين بعملة الدولار بدلا من الريال عندما لا يعود الريال يشبع نهم غاسلي الدماء.

[email protected]