عبدالله المزهر

شجرة التفاهة المثمرة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 13 فبراير 2019

Wed - 13 Feb 2019

شاهدت مقطعا لأحد الأخوة التافهين ـ أعانه الله ـ وهو يشتكي من التنمر ومضايقة الناس له وتطفلهم على حياته الخاصة.

والحقيقة أني تعاطفت معه، ولم أتعاطف في ذات الوقت. تعاطفت معه لأن مشكلته إنسانية ومؤذية ولا يوجد عاقل يتمنى أن يكون في مثل وضعه. ولم أتعاطف لسببين، الأول لأن المحتوى الذي يقدمه وجعله مشهورا يطارده المعجبون المؤذون محتوى سخيف ومؤذ أيضا. والسبب الثاني لأني شرير بطبعي. وأميل حتى في الأفلام والأعمال الدرامية التي أشاهدها إلى التعاطف مع الشرير وأتمنى دائما أن يموت البطل في الحلقة الأولى.

ووصفي له بالتفاهة ليس شتيمة، ولكن يقال في أمثال الفرنجة: «إذا كان يبدو كالبطة ويصدر صوت بطة ويمشي مشية بطة فهو بطة».

وتفاهة ما يقدمه ليست مبررا للتنمر عليه وإيذائه، خاصة أنه لا زال في بداية سن المراهقة. وهذه من مشاكل الشهرة في سن صغيرة في كل أنحاء العالم، فالمشاهير الصغار يتعرضون لضغوط نفسية أكبر بكثير من قدرتهم على الاحتمال. يجدون أنفسهم فجأة في وسط معركة طاحنة مع الحياة لم يستعدوا لها، تتضخم أرصدتهم المالية دون أن يكون في رصيدهم من الأيام ما يكفي لمعرفة وجه الحياة الحقيقي، وهذا يتعرض له المشهور الصغير سواء كان سبب شهرته عملا رائعا وعظيما أم عملا تافها. وكثير منهم انتهى بهم المطاف في براثن الإدمان والضياع. لأنه بدأ حياته بشكل مقلوب، وابتدأ من حيث يجب أن ينتهي. والمعطيات غير الطبيعية تؤدي إلى نتائج غير طبيعية.

إضافة إلى أن الشهرة المبكرة تعني أن مسار حياة هذا الطفل أو المراهق وضع رغما عنه، لم يكن في كامل الأهلية والرشد للاختيار وتحمل تبعات اختياره.

وهنا أظن ـ وفقني الله ـ أن المسؤول عن حالة الخوف أو الضياع أو الاكتئاب التي يمر بها المشهور الصغير ليس المجتمع ولا الناس ولا المتنمرين الطلقاء. المسؤول الأول هي أسرته. ومما يؤسف له أن الكثير لا يرون مشكلة في استخدام أطفالهم من أجل البحث عن الشهرة والتعاطف كوسيلة لجمع الأموال.

ثم إن الكثير من أهل الشهرة ـ صغارا وكبارا ـ الذين يشتكون من تبعاتها لو قيل لهم اتركوا كل شيء حتى ترتاحوا لما فعلوا، فالشهرة إدمان يصعب التخلص منه. وهي ـ أي الشهرة ـ وتبعاتها تأتيان معا، لا يمكن قبول الشهرة فقط وترك تبعاتها المؤذية، إما أن تقبلها كلها أو تتركها كلها.

وعلى أي حال..

التدخل في خصوصيات الآخرين والتطفل على حياتهم سواء كانوا مشاهير أم مغمورين عادة وقحة، لكنها موجودة ومستمرة وباقية وتتمدد، ولن تنتهي بمجرد الشكوى منها. والأمر يبدو محيرا حين يكون سبب شهرتك هو أنك أقحمت الناس في خصوصياتك وصورت لهم بشكل يومي ماذا تفعل وماذا تأكل وكيف تنام وكيف تصحو. لن تستطيع لومهم إن هم طلبوا معرفة المزيد، وحين تقدم محتوى تافها فإن شكواك من الأذى مقبولة ومتفهمة، لكن لا تتصور أن الناس يفعلون ذلك لأنك شجرة مثمرة، توجد أشياء أخرى كثيرة يمكن رجمها بالحجارة غير الأشجار المثمرة.

agrni@