مها الحريب

فلاسفة السناب والاكتئاب

السبت - 09 فبراير 2019

Sat - 09 Feb 2019

«لنتكلم عن حكاياتكم مع الاكتئاب، ابعثوا لي بتجاربكم لنتشاركها»، كان هذا جزءا من حديث لإحدى من يسمين «الفاشنستات»، بدأت القصص تتوالى، كانت تنشر كل ما يأتيها من متابعاتها اللاتي تعودن على الفضفضة معها وسرد قصصهن، وقد شد انتباهي ما قالته هذه الشهيرة حول الاكتئاب من معلومات مغلوطة وتجارب لا يمكن أن تشخص بأنها مرض اكتئاب، بل هي مجرد تقلبات مزاجية عابرة، أو عسر مزاج قد يحدث لأي شخص، في ظل تقلبات الحياة وطبيعة ظروفها الضاغطة.

حاولت أن أبحث عن خلفيتها العلمية أو شهادتها، هل لها صلة بعلم النفس أو الطب النفسي حتى تشارك متابعاتها الحديث وكأنها مختصة، وتنصحهن وكأنها معالجة متمرسة؟ لكن وجدت أن الحكاية كلها أن الشهيرة أدمنت الثرثرة مع متابعاتها فأصبحت تخوض في كل ميدان وتدلي بدلوها في أي مجال للحفاظ على زخم المتابعة!

وهذا ليس حالها فقط، بل حال كثيرات أمثالها تصدرن المشهد في تطبيقات التواصل الاجتماعي، وأصبحن يفتين في كل شيء دون أي مرجعية علمية يستندن عليها، والإشكالية الحقيقية أن مثل هذه الممارسات ترسخ الجهل وتزيد من تسمية الأشياء بغير مسمياتها.

كلنا قد يصحو ذات يوم بمزاج متعكر أو برغبة في البقاء في الفراش دون عمل شيء أو بمعنويات منخفضة، هل يعني هذا أننا مصابون بالاكتئاب؟ بالتأكيد لا.

لماذا أصبحنا نصف أي انفعال أو عسر مزاج بمسمى الاكتئاب؟ في الماضي كنا نعبر عن أمزجتنا المتعكرة بكلمات بسيطة لكن تتناسب مع حالتنا الراهنة ككلمة (طفشان، مزاجي شين) وغيرهما، وهي كلمات واقعية تعبر عن التغيرات التي قد تحدث للشخص العادي ولكنها لا تعني بالضرورة وجود أعراض الاكتئاب.

الاكتئاب مرض نفسي له معايير لا بد أن تنطبق بحذافيرها، ولا بد من توفر خمسة من أصل تسعة أعراض خلال مدة زمنية تتراوح من أسبوعين إلى شهر، كما جاء في الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية الذي تصدره الجمعية الأمريكية للطب النفسي، والذي يعد مرجعا أساسيا لكل العاملين في حقل علم النفس والطب النفسي.

وأهم هذه الأعراض:

- مزاج مكتئب طول اليوم أو أغلب اليوم، إما عن طريق ملاحظة الفرد لنفسه (يشعر بالحزن، فارغ) أو من ملاحظة الأفراد المحيطين به.

- فقدان ملحوظ بالاهتمام والمتعة في كل شيء أو معظم الأنشطة اليومية تقريبا. بمعنى الأنشطة التي كانت مصدر سعادة له تغيرت تماما، إضافة للرغبة في العزلة.

- فقدان للشهية أو نهم شديد، وبالتالي تغير ملحوظ في الوزن، سواء بالزيادة أو النقصان.

- أرق متواصل أو زيادة مفرطة في ساعات النوم.

- إعاقة أو تثاقل في الجهاز النفسي الحركي بمعنى تهيج حركي أو ضعف حركي.

- التعب وفقدان الطاقة اليومي.

- الشعور بالذنب (بلا مبرر) والإحساس بعدم القيمة أو جدوى الحياة.

- انخفاض في القدرة على التركيز والتفكير والتذكر.

- أفكار انتحارية أو تفكير متكرر بالموت.

والأهم أن تكون هذه الأعراض لا ترجع لأسباب فسيولوجية نتاج تناول بعض العقاقير الطبية، إضافة إلى أن تكون هذه الأعراض مسببة للشعور بالعجز والمشقة المتواصلة في نواحي الحياة الاجتماعية والمهنية.

حين توفر هذه المعايير أو بعض منها يشخص المصاب بها بالاكتئاب، وحينها لا بد أن يبادر بزيارة الطبيب النفسي لمعرفة شدة وحدة الاكتئاب، حتى يمكن تدارك الأمر منذ البداية، كما هو الحال في بقية الأمراض العضوية.

لكن ما يحدث مع الأسف نتيجة الجهل والخوف من وصمة المرض النفسي أن الأهل أو أحيانا المصاب يفضلون أن يلجؤوا للطب الشعبي، مما يجعل المريض يدخل في دوامة طويلة قد لا يخرج منها بسهولة.

لذا رسالتي لمتابعي المشاهير: لا تسلموا عقولكم وأجسادكم لهم ليعبثوا بها كيفما شاؤوا. ورسالتي لكل المشاهير وتحديدا للسيدات منهن: توقفوا عن ترويج المعلومات الخاطئة ووصف الأشياء بغير حقيقتها أو تضخيم المتغيرات المزاجية العابرة، ليس خطأ أن تحاول المشهورة توجيه متابعاتها لما ينفع ويفيد، لكن الخطأ في تمرير الرسائل الخاطئة دون استناد على أي أساس علمي، والأدهى والأمر حين يتحول كل شخص إلى مختص يصنف ويصف العلاج كما وصفت إحداهن العطور كمضاد فعال للاكتئاب، لذا تبقى رسالتنا الأهم هي توعية أفراد المجتمع حول كل ما يعتري النفس البشرية من أمراض وأعراض وألا نترك المجال كمختصين للعوام ممن يجهلون الأساس العلمي للأمراض وتشخيصها.