محمد أحمد بابا

اليسارية المجتمعية

السبت - 09 فبراير 2019

Sat - 09 Feb 2019

رغم أن الثورة الفرنسية هي من أنتج برلمانا فرنسيا جعلنا نعرف مفهوم (اليسارية) باعتبار جلوس من تبنوا فكرة معينة مثقلة من هموم السطوة والاستعباد حتى صارت تطالب بتكييف كل الأوضاع الإنسانية تكييف السياسة الباحثة عن الديموقراطية والحرية وفق مصطلح عام، إلا أننا في عالمنا العربي قرأنا كثيرا عن اليسار العربي بمختلف تصوراته وثقافاته.

والمتوجس خيفة من أي مصطلح غربي ولو تم تعريبه يجد في مجرد التلفظ باليسارية أو الليبرالية أو غيرهما من مناهج العمل السياسي أو التفكير التشريعي كالعلمانية والاشتراكية ونحو ذلك، يعمد إلى حجب واقع تفاعلات مجتمعية - ولو عن غير قصد - ليكون صوت ما يتبناه هو المسموع، في هدوء وضعف منافسين.

وبما أن أغلب تجارب الأمم والشعوب والأوطان والدول متاحة الاطلاع والتمحيص والتدبر اليوم، نجد أنفسنا مدفوعين نحو موازين القسط، أي الفرقاء على شتى مقولاتهم أقرب للإفادة الإنسانية والنجاح المجتمعي والسلام العالمي والدولي من غيره؟ ثم نجد عقولنا وأفكارنا تقودنا لإعمال قاعدة (التجربة خير برهان) ليدحض كل مدافع عن منهجه فكر غيره بما أصاب آخرين - وفق وجهة نظره - من تعسف حياة ومآل ضيق ومن ثم ثورة انقلابات فكرية واجتماعية وعقدية انتهجها مسيطرون.

أنا خرجت بوجهة نظر عامية - من خلال ما تراكمت به القراءات لسنوات - بأن مفهوم (اليسارية) الغربية خليط مبادئ من مفاهيم غربية أيضا مثل (العلمانية والليبرالية والديموقراطية) مغطاة بغطاء رقيق من (الشيوعية الماركسية) في بُعد - نوعا ما - عن حقيقة (الاشتراكية) التي تصادر الملكية الفردية، لتطوق كل ذاك دوائر من تحرر فكر حاد انقلب بالبعض نحو إنكار الأسباب والمسببات ليجد لما يرغبه في أن الطبيعة حاكمة سبيلا، ولو لم تكن سببا، فانصرفت لليسار المتطرف صفة الإلحاد ثقافة وعقيدة جزم لا ردة فعل واختيار طريق.

ونحن عند تفكيك قناعات مجتمعنا بشؤون اجتماعية أو اقتصادية أو فكرية محلية ربما نقف على بعض متلازمات المناهج سابقة الذكر في غضون عصفنا الذهني المستمر داخل نقاشاتنا العلنية والمخفية، وحينها نبحث عن موقفنا في صفوف النظر للفكرة هل نحن (يساريون) أم (يمينيون) أم إن الوسط هو الأسلم؟ أم ندعي الحياد واللا شيء؟

فهل مقارنة مجموع ما لدينا في مجتمعنا من قيم أو مبادئ وتصورات وأفكار ومناهج حياة وأعراف وتقاليد ومرتكزات دين حنيف بمجموع منهج أو فكر لدى آخرين أمر طبيعي لأنه دأب العقل دوام السؤال والتساؤل بغية التطور والبناء المتجدد؟ أم إن هذا الفعل مضيعة للثبات على الحق وانتقاص من تربية السلامة العقدية؟ أو وأن هذا كله فتح لباب كبير من القفز على الثوابت وخلخلة الأمن الفكري؟ أم إن (اليسارية) المتلونة داخل جزئيات الطرح المجتمعي والثقافي والاقتصادي هي عدوى متأثرين بصناعة غربية هدفها أكبر مما نجاريهم فيه ليكون الدين هو المستهدف؟

ماذا لو اعتبرنا (اليسارية) في المجتمع هروبا للحرية المجتمعية مع حمل النصوص على الاستحباب والكراهة لا غير؟ واعتبرنا (اليمين) فكرا يتبنى الأصول والثوابت - وفق نظره - أيا كانت، لا يحيد عنها وفق رسوماته لها فيرفض التغيير؟ ثم اعتبرنا (الوسط) منهجية تفكير - لما تنضج - لكنها تحاول فصل حساسية عن التهابها وعزل استفزاز عن مثيراته بأن لكل مقام مقال؟

هل نستطيع القول حينها بأنه ربما نجد في (اليسار) المتطرف قوما أغرتهم النتائج قبل أن تظهر؟ ونجد في (اليمين) المتطرف أناسا حكموا على آخرين قبل أن يولدوا؟ ثم نجد في (يسار) الوسط قوما تغير رأيهم بفكرة مستجدة؟ وقد نجد في (يمين) الوسط جماعة تجرب لوقت معين في تربص حال؟

وهنا لا أجدني أستطيع أن أقول إلا أنني أعتقد بأن قول ربي (ولقد كرمنا بني آدم) ذو مدلول فكري كبير عظيم واسع سمح رباني باق، فما الأفكار والاتجاهات منذ خلق البشرية إلا باحثة عن هذا الذي ذكر ربي، ولو جحدوه أو زعموه من بنات أفكارهم، وأي فكرة تهضم حق الإنسانية للإنسان فالإسلام ودين الله منها براء بنص قرآني معصوم.

ثم إن الناس من واقع لآخر تتدافع حيث مظنة الأفضل، وهم في ذلك لا محالة حين التجربة أصحاب قرار، ولعل (يسارية) بعض الأفكار والمناهج في الحدود المجتمعية هي مخاض حوار ليبزغ سلام وتحضر خلاف ولو بعد حين.