علي الغامدي

تسرب المعلومات من العين

الخميس - 07 فبراير 2019

Thu - 07 Feb 2019

في عام 2010 قدمت الفنانة اليوغسلافية مارينا إبراموفيتش أحد عروضها الغريبة التي اعتادها جمهورها في (فن الأداء). وكانت في كل مرة تفاجئهم بغرابة المعرض الذي تقيمه. كان المعرض هذه المرة عبارة عن دقيقة صمت للتحديق في أعين الغرباء، حيث يجلس أحد المتطوعين من الجمهور أمامها لمدة دقيقة في صمت رهيب، وكأنهما يتحدثان إلى بعضهما بلغة العيون فقط.

بعد جلوس عدد من المشاركين أمامها للقيام بهذا العرض فوجئت بالفنان المعروف (بولي) يخرج من بين الزوار ليجلس على الكرسي المقابل. وكانا قد انفصلا قبل 15 عاما عاشا خلالها 12 عاما من علاقة الحب في فترة الخطوبة.

من يشاهد لغة عينيهما لا يحتاج إلى ترجمة، كانت مليئة بالعتاب والاشتياق والسؤال عن الحال. لو منح أحدهما ورقة لاستطاع كتابة الكثير عما دار بينهما دون الحاجة لسماع أي كلمة منهما. فلملامح الوجه قدرة هائلة على ترجمة المشاعر، ولغة العينين أصدق هذه الملامح.

وقد عرف قديما أن لغة العيون لا تكذب، وأنها تفشل أحيانا في إخفاء المشاعر خلفها. شاهدت نظرات ماريا وبولي في الأيام السابقة من خلال مقطع متداول بالتزامن مع قراءتي لدراسات حول ترجمة لغة العيون باستخدام تقنية تسمى (Eye movement tracking)، حيث تتم متابعة حركة العين واتساع البؤبؤ عن طريق كاميرات صغيرة تقيس سرعة ومقدار تردد العين استجابة لأحداث أو ذكريات معينة.

ويقول عالم الأعصاب البريطاني Daneil Richardson «إنك لا تدرك مقدار المعلومات التي تتسرب من عينيك عندما تتحرك الأفكار في عقلك، فحركة العين لا تعكس ما يحدث من أفكار داخل عقلك فحسب، بل تتحكم بها أيضا». وهذا المفهوم تم استغلاله باستخدام التقنية الحديثة اليوم، حيث تمكنت دراسة حديثة في جامعة زيورخ من ترجمة الذكريات والتنبؤ بالقرارات التي سيتخذها أي شخص قبل أن يقوم بذلك من خلال تقنية مراقبة حركة العين، حيث تترجم الحركة إلى معلومات.

وأصبح بإمكان الشركات التسويقية أن تستخدم نظام ترقب العين الموجودة في الأجهزة الذكية لخداعك، ورغم أنها لا زالت في مراحلها التجريبية، إلا أنها أصبحت قادرة على التنبؤ بقراراتك عند رؤيتك لسلعة أو سعر معين، وتقوم بتغيير هذه العروض قبل أن تزيل عينك من الشاشة. فإذا كنت على وشك أن تقول (لا) للعرض الحالي تظهر أيقونة أخرى بخصم 20% لتجعلك تعيد التفكير بالعرض وتوفير مزايا أخرى مثل الشحن المجاني.

وفي الأماكن العامة نتراشق النظرات ونشعر بالغضب أو بالسعادة من مجرد نظرة. فهناك نظرة تشعر أنها تحتقرك وتعتدي على حريتك لكنك لا تستطيع الرد عيلها بالكلام لأن صاحبها لم ينطق فتهجم عليه بنظرة أخرى للدفاع عن نفسك.

التحديق بعين الآخر يهيئك لاستقبال مشاعره وإرسال ما يدور في عقلك، أما صرف نظرك عنه فيقطع الاتصال معه. وقد يعتبر هذا من أشد الأساليب قسوة وتجاهلا للشخص المقابل، وفيه نوع من التوبيخ، وهذا ما وعد به الله سبحانه وتعالى أهل النار يوم القيامة «ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة».

لماذا تفشل العينان في إخفاء المشاعر خلفهما؟

كيف يترجم العلم الحديث حركة العينين؟

كيف يستغل تسرب معلوماتك من العين في التسويق؟

AliGhamdi2@