عبدالحليم البراك

هوس التقنية، رفقا بالإنسان!

الاثنين - 04 فبراير 2019

Mon - 04 Feb 2019

رويدا رويدا، كل شيء يتحول إلى الآلة، حتى تكاد تدار حياتنا بالتكنولوجيا، وكأننا ننتظر يوما يختفي فيه الإنسان وتبقى الآلة، كل شيء يصنع لك، وأنت تمضي يومك وشهرك وسنتك كاملة مستلقيا على أريكتك لا تفعل شيئا سوى المتعة والانتظار حتى تفقد لذة المتعة ويقللك الانتظار!

في البنك حاليا تقوم الآلة بالإيداع، وتسحب المال بالآلة، وتصدر لك الآلة البطاقة وكشف الحساب، وتودع الشيك بالآلة، ويتم عد النقود بالآلة، ويكشف عن العملة المزورة بالآلة، وسيأتي يوم ما نرى فيه مدير البنك الآلة أو (روبرت آلي) يقرأ بصمة عينيك ثم يقرر أي نوع من العملاء أنت، هل أنت فضي أو ذهبي أو ماسي أو بلاتيني، وبناء عليه يقرر لغة الترحيب فيك بحسب فئتك، والمؤكد أنه لن يكون قريبا ولا جارا لك يقوم بواجب الضيافة والتقدير الإنساني، بل التقدير بالمال!

الأمر لا يقتصر على البنوك، حتى رجل المرور يكاد يختفي، وتظهر بدلا منه الكاميرات التي ترصد الإنسان وتعاقب الإنسان مرتين، مرة أولى على المخالفات، والمرة الأخرى تعاقبه بحرمانه من الوظائف لأنها حلت محله، فلم يعد هناك حاجة لرجل المرور، ومراقب للاصطفاف.

وظهرت سيارات ذكية في شوارع ذكية، يمكنها أن تقود نفسها، وتركن نفسها بنفسها دون الحاجة للإنسان، وكل ما عليك أن تثبت عينيك على الطريق الآن، أما في المستقبل فليس هناك حاجة لك فإما أن تستلقي في الخلف أو أن تبعث السيارة لتشتري لك من البقالة الالكترونية بعض الأغراض.

حتى إن الطب في خطر، فالتعليم الطبي سيكون آليا، بل إن المستشفى قد يصبح آليا هو الآخر أيضا، فالطبيب في أوروبا يدير مستشفيات الدول الأخرى بالأقمار الصناعية، كما أن الآلة تشخص وقد تجري لك العملية قريبا، وبالتأكيد بين هذا وذاك يمكنها أن تصرف لك الدواء، هذا ليس حلما وهو ليس صعبا. وفي التدريس بعد السبورة الذكية والبلاك بورد الموجودة حاليا، والدراسة أونلاين، فلا شك أن الأستاذ الآلي قادم، والتعليم المدعوم بالذكاء الاصطناعي القادر على تمييز الطالب بالبصمة أيضا قادم، كما سيكون التعليم في بيتك فلا داعي لمباني المدرسة والجامعة، وليس هناك داع للمعلم والأستاذ الجامعي، فكل شيء يتم في غرفة في بيتك، والذكاء الاصطناعي يمنع الغش واللبس والعبث فيفقد عشرات الآلاف من أعضاء هيئة التدريس والموظفين والمعلمين وظائفهم، ويفقد المهندسون والحرفيون أعمالهم بعد أن تنتهي الحاجة للتشييد، فكل شيء أونلاين، ونكسب الآلة ونخسر توازن الإنسان!

يزداد مالك التقنية غنى فاحشا، ويزداد الإنسان فقرا وبطالة، فيفقد الناس مهاراتهم ويستولي على كل شيء رواد التقنية، وبدلا من أن تدور الأموال بين يدي الناس، صارت محصورة برجل التقنية الذي يكتشف كل يوم جديدا، ليحرم الإنسان من العمل، لأن الآلة لا تتأخر في العمل، ولا تتوسط لصديق، ولا تمل ولا تكل من العمل، وفوق هذا كله لا تخطئ كثيرا.

رفقا أيتها الآلة بالإنسان، واتركي له فرصة يعمل، ووزعي الثروة بين يدي البشر، ورفقا يا رواد التقنية بالإنسان، فاتركوا له مساحة لكي يتكسب بعض عيشه من عمل يديه. وأنت أيها الإنسان، رفقا بنفسك، فلما تكاسلت في عملك، وتأخرت عنه، وعبثت بالواسطة بحقوق الناس والمجتمع والدولة، وتركت الصدق، استبدلوك بالآلة، وحرموك وحرموا أبناءك من الوظائف، وسيأتي يوم تتعهد فيه بأن تصبح مواطنا صالحا لا تفسد في العمل، وتتعهد بأن تكون أفضل من الآلة، لا تتعطل، ولا تفسد، ولا تحتاج إلى قطع غيار، مقابل أن ترجع للعمل وتكسب المال، فيرفضون ذلك لأنهم اعتادوا على التقنية وكرهوك!