القوة الناعمة السعودية
السبت - 02 فبراير 2019
Sat - 02 Feb 2019
في الماضي، قبل عدة قرون، نصح الفيلسوف والمفكر السياسي مكيافيلي أمراء إيطاليا بأن يحرصوا على أن يكونوا مهابين ويخشاهم الناس أكثر من أن يكونوا محبوبين.
في الواقع، وفي ظل هذا العالم المتغير، تغيرت قواعد اللعبة، وأصبح لا يمكن لأي دولة تحقيق النجاح دون التأكد من استثمار القوة الناعمة لديها لتكون أكثر جاذبية.
في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، لم يصبح الأمر مقتصرا على «الدبلوماسية الكلاسيكية» بوجود سفير وسفارة وبعثة دبلوماسية.
تأثير الأفراد ومؤسسات المجتمع والقطاع الخاص أكبر، ويحتاج استراتيجية أعمق، وفي الآونة الأخيرة، كثر التساؤل حول معنى القوة الناعمة، ما هو مفهومها؟ من أين أتت؟ ما هي أدواتها والأمثلة عليها؟ وكيف يمكن أن نساهم برؤيتنا لعام 2030 من خلالها؟
مصطلح القوة الناعمة ظهر لأول مرة عبر كتاب عالم السياسة وعميد كلية كينيدي الحكومية بجامعة هارفرد سابقا جوزيف ناي عام 1990، والذي كان بعنوان «الطبيعة المتغيرة للسياسة الأمريكية»، وعرفها بأنها «قوة الجاذبية، أن تكون جذابا بالنسبة للآخرين، لا أن تضعهم في صفك وبجانبك بواسطة الإكراه واستخدام السلاح، أو بدفع الأموال».
الثقافة والرياضة والسياحة والفنون والتبادل العلمي والمعرفي ووسائل التواصل الاجتماعي والتحول الرقمي والطبخ وغيرها، جميعها وأكثر أدوات قوة ناعمة أثرها محوري وهام. السياحة والآثار والفنون المصرية أدوات قوة ناعمة لمصر مثلا، تماما مثل هوليوود وكوكاكولا وأبل بالنسبة للولايات المتحدة، أو تويوتا وسوني والرسوم المتحركة بالنسبة لليابان.
القوة الناعمة - بلا مبالغة - قضية «أمن وطني» إن تم الاهتمام بها وتعزيزها فستكون الدولة قادرة على الموازنة بين قواها الصلبة والناعمة، وهذا ما يراه ناي «مبدأ للنجاح في العلاقات والسياسة الخارجية». المملكة تملك جميع المقومات، حضارة وتاريخ وثقافة وهوية وموقع ومحتوى ومواهب وقدرات وإمكانات، لذا فإن وضع استراتيجية واضحة لقوتها الناعمة سيكون استثمارا حقيقيا وعظيما ومستداما.
عديد من الدول أنشأت كيانات ووضعت استراتيجيات هدفها نشر هويتها وثقافتها وتعزيز قوتها الناعمة حول العالم، من بينها - على سبيل المثال لا الحصر - منظمة «إي إف الفرنسية» و»كوول اليابانية» و»الموجة الكورية» وغيرها.
المملكة العربية السعودية دولة «متكاملة» بكل ما تحمله الكلمة من معان، بالإمكانات والقدرات والموارد الطبيعية والبشرية التي تملكها، علاوة على الموقع الجغرافي والتاريخ الثري والحضارة العريقة والمناظر الخلابة والأجواء المختلفة والثقافات المتنوعة والشعب الشاب متعدد المهارات والخبرات وقيادة الحاضر التي تجمع ما بين طموح وحماس وشغف ورؤية الشباب للمستقبل الممزوجة بالخبرة والحكمة ودروس الماضي.
ما تحتاجه المملكة فقط هو خطة استراتيجية واضحة وشاملة لقوتها الناعمة تضعها في مكانها الطبيعي، وحتى يكون العمل مؤسساتي المنهج استراتيجي الأهداف، بالإمكان تنفيذ مبادرات عدة تحقق الأثر والتأثير والهدف والغاية.
أولا، إنشاء «مجلس القوة الناعمة» ضمن رؤية 2030، ويكون هدفه وضع استراتيجية تسهم بعمل وتنسيق مشترك واضحين بين كل الأجهزة المعنية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع والقطاع الخاص ذات العلاقة.
ثانيا، يرتبط المجلس بمجلس الوزراء أو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، لضمان تحقيق الغاية، والاهتمام من أعلى المستويات، وحتى لا يكون تحت مسؤولية وزارة أو هيئة أو مؤسسة لوحدها، لأن القوة الناعمة عمل مشترك شامل وليس مبادرة جهة أو كيان لوحده.
ثالثا، يتشكل هذا المجلس بعضوية عدد من الجهات وعلى رأسها وزارات الخارجية والإعلام والثقافة وهيئات الترفيه والسياحة والرياضة والاستثمار وغيرها، إضافة لممثلين عن القطاع الخاص والأفراد ذوي الاختصاص.
رابعا، يكون للمجلس هدف استراتيجي هو الدخول ضمن قائمة «أفضل 30 دولة في العالم بالقوة الناعمة» ليكون المنظور عالميا بعيد المدى لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط أو قارة آسيا وحدهما.
خامسا، رصد وتحليل أداء جميع الجهات وأنشطتها المقامة داخل وخارج المملكة، والتي تخدم استراتيجية القوة الناعمة.
سادسا، خلق ثلاثة مسارات للقوة الناعمة محليا وإقليميا ودوليا، ولكل مسار مبادراته وبرامجه وأنشطته، مما يضمن قوة ناعمة مستدامة ذات تواجد مستدام على جميع الأصعدة والمستويات.
سابعا، إنشاء مركز مجلس القوة الناعمة، ويكون دوره إشرافيا واستشاريا وتنسيقيا وداعما لجميع الجهات ذات العلاقة، لضمان عملها بشكل تكاملي وتذليل الصعوبات أمامها وتقديم التقارير الدورية والسنوية التي تطور أداءها.
أخيرا، العمل على ابتعاث مجموعة من شباب وشابات المملكة لدول رائدة بالقوة الناعمة للاستفادة من تجاربها، وعمل أبحاث تدعم مستقبل القوة الناعمة بالمملكة، وفق أعلى المستويات والمعايير التي تدعم الحاضر وتتنبأ بالمستقبل.
كل ما سبق وأكثر ستكون له عوائد لا محدودة، أهمها وضع المملكة في مكانها الطبيعي بأدوات تواصل نوعية وشبكة دبلوماسية قوية وتعزيز شراكتها بالتنمية الدولية.
الأهم إدراك أن القوة الناعمة هي رؤية قيادة وفاعلية حكومة وإدراك ومساهمة وإيمان شعب، لا تكتمل دون تضافر جهود الجميع بلا استثناء، لتجعلنا أكثر مهارة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية أيا كانت ومتى كانت وممن كانت.
في الواقع، وفي ظل هذا العالم المتغير، تغيرت قواعد اللعبة، وأصبح لا يمكن لأي دولة تحقيق النجاح دون التأكد من استثمار القوة الناعمة لديها لتكون أكثر جاذبية.
في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، لم يصبح الأمر مقتصرا على «الدبلوماسية الكلاسيكية» بوجود سفير وسفارة وبعثة دبلوماسية.
تأثير الأفراد ومؤسسات المجتمع والقطاع الخاص أكبر، ويحتاج استراتيجية أعمق، وفي الآونة الأخيرة، كثر التساؤل حول معنى القوة الناعمة، ما هو مفهومها؟ من أين أتت؟ ما هي أدواتها والأمثلة عليها؟ وكيف يمكن أن نساهم برؤيتنا لعام 2030 من خلالها؟
مصطلح القوة الناعمة ظهر لأول مرة عبر كتاب عالم السياسة وعميد كلية كينيدي الحكومية بجامعة هارفرد سابقا جوزيف ناي عام 1990، والذي كان بعنوان «الطبيعة المتغيرة للسياسة الأمريكية»، وعرفها بأنها «قوة الجاذبية، أن تكون جذابا بالنسبة للآخرين، لا أن تضعهم في صفك وبجانبك بواسطة الإكراه واستخدام السلاح، أو بدفع الأموال».
الثقافة والرياضة والسياحة والفنون والتبادل العلمي والمعرفي ووسائل التواصل الاجتماعي والتحول الرقمي والطبخ وغيرها، جميعها وأكثر أدوات قوة ناعمة أثرها محوري وهام. السياحة والآثار والفنون المصرية أدوات قوة ناعمة لمصر مثلا، تماما مثل هوليوود وكوكاكولا وأبل بالنسبة للولايات المتحدة، أو تويوتا وسوني والرسوم المتحركة بالنسبة لليابان.
القوة الناعمة - بلا مبالغة - قضية «أمن وطني» إن تم الاهتمام بها وتعزيزها فستكون الدولة قادرة على الموازنة بين قواها الصلبة والناعمة، وهذا ما يراه ناي «مبدأ للنجاح في العلاقات والسياسة الخارجية». المملكة تملك جميع المقومات، حضارة وتاريخ وثقافة وهوية وموقع ومحتوى ومواهب وقدرات وإمكانات، لذا فإن وضع استراتيجية واضحة لقوتها الناعمة سيكون استثمارا حقيقيا وعظيما ومستداما.
عديد من الدول أنشأت كيانات ووضعت استراتيجيات هدفها نشر هويتها وثقافتها وتعزيز قوتها الناعمة حول العالم، من بينها - على سبيل المثال لا الحصر - منظمة «إي إف الفرنسية» و»كوول اليابانية» و»الموجة الكورية» وغيرها.
المملكة العربية السعودية دولة «متكاملة» بكل ما تحمله الكلمة من معان، بالإمكانات والقدرات والموارد الطبيعية والبشرية التي تملكها، علاوة على الموقع الجغرافي والتاريخ الثري والحضارة العريقة والمناظر الخلابة والأجواء المختلفة والثقافات المتنوعة والشعب الشاب متعدد المهارات والخبرات وقيادة الحاضر التي تجمع ما بين طموح وحماس وشغف ورؤية الشباب للمستقبل الممزوجة بالخبرة والحكمة ودروس الماضي.
ما تحتاجه المملكة فقط هو خطة استراتيجية واضحة وشاملة لقوتها الناعمة تضعها في مكانها الطبيعي، وحتى يكون العمل مؤسساتي المنهج استراتيجي الأهداف، بالإمكان تنفيذ مبادرات عدة تحقق الأثر والتأثير والهدف والغاية.
أولا، إنشاء «مجلس القوة الناعمة» ضمن رؤية 2030، ويكون هدفه وضع استراتيجية تسهم بعمل وتنسيق مشترك واضحين بين كل الأجهزة المعنية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع والقطاع الخاص ذات العلاقة.
ثانيا، يرتبط المجلس بمجلس الوزراء أو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، لضمان تحقيق الغاية، والاهتمام من أعلى المستويات، وحتى لا يكون تحت مسؤولية وزارة أو هيئة أو مؤسسة لوحدها، لأن القوة الناعمة عمل مشترك شامل وليس مبادرة جهة أو كيان لوحده.
ثالثا، يتشكل هذا المجلس بعضوية عدد من الجهات وعلى رأسها وزارات الخارجية والإعلام والثقافة وهيئات الترفيه والسياحة والرياضة والاستثمار وغيرها، إضافة لممثلين عن القطاع الخاص والأفراد ذوي الاختصاص.
رابعا، يكون للمجلس هدف استراتيجي هو الدخول ضمن قائمة «أفضل 30 دولة في العالم بالقوة الناعمة» ليكون المنظور عالميا بعيد المدى لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط أو قارة آسيا وحدهما.
خامسا، رصد وتحليل أداء جميع الجهات وأنشطتها المقامة داخل وخارج المملكة، والتي تخدم استراتيجية القوة الناعمة.
سادسا، خلق ثلاثة مسارات للقوة الناعمة محليا وإقليميا ودوليا، ولكل مسار مبادراته وبرامجه وأنشطته، مما يضمن قوة ناعمة مستدامة ذات تواجد مستدام على جميع الأصعدة والمستويات.
سابعا، إنشاء مركز مجلس القوة الناعمة، ويكون دوره إشرافيا واستشاريا وتنسيقيا وداعما لجميع الجهات ذات العلاقة، لضمان عملها بشكل تكاملي وتذليل الصعوبات أمامها وتقديم التقارير الدورية والسنوية التي تطور أداءها.
أخيرا، العمل على ابتعاث مجموعة من شباب وشابات المملكة لدول رائدة بالقوة الناعمة للاستفادة من تجاربها، وعمل أبحاث تدعم مستقبل القوة الناعمة بالمملكة، وفق أعلى المستويات والمعايير التي تدعم الحاضر وتتنبأ بالمستقبل.
كل ما سبق وأكثر ستكون له عوائد لا محدودة، أهمها وضع المملكة في مكانها الطبيعي بأدوات تواصل نوعية وشبكة دبلوماسية قوية وتعزيز شراكتها بالتنمية الدولية.
الأهم إدراك أن القوة الناعمة هي رؤية قيادة وفاعلية حكومة وإدراك ومساهمة وإيمان شعب، لا تكتمل دون تضافر جهود الجميع بلا استثناء، لتجعلنا أكثر مهارة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية أيا كانت ومتى كانت وممن كانت.