الاسم "حزب الله" .. الوظيفة "حزب الشيطان"
فوضى الحرب الأهلية اللبنانية أفرزت فصيلا إرهابيا متمردا تحركه إيران بالريموت كنترول
فوضى الحرب الأهلية اللبنانية أفرزت فصيلا إرهابيا متمردا تحركه إيران بالريموت كنترول
الاثنين - 28 يناير 2019
Mon - 28 Jan 2019
يسمونه «حزب الله»، لكن إرثه الدموي وتاريخه في التفجيرات الإرهابية والخطف والرهائن يجعلان وظيفته الرئيسية «حزب الشيطان»، فقد أفرزت الحرب الأهلية اللبنانية 1000 معسكر تدريبي إيراني في وادي البقاع، جعلتها فيما بعد إحدى أذرع الدمار والفتنة لنظام الملالي في منطقة الشرق الأوسط، وإحدى أبرز المنظمات الإرهابية وفق التصنيف العالمي.
أكد مركز أبحاث بروكنز الأمريكي أن حزب الله نشأ نتيجة فوضى الحرب الأهلية في لبنان، عندما دمرت الفصائل اللبنانية والفلسطينيون والإسرائيليون والسوريون والوكلاء المختلفون البلد، حيث كانت الأرض خصبة لقادة إيران في مرحلة ما بعد 1979 لإثبات أن مثالهم يمكن أن يتكرر في العالم العربي.
جذور الطائفية في لبنان
في التوازن المعقد لما يسمى بالنظام الطائفي الذي اعتمد عام 1943 عند استقلال لبنان، تم تخصيص المناصب الحكومية بحسب الطائفة الدينية، وعلى الوزن الديموغرافي لكل مجموعة، كما يتجلى ذلك في تعداد عام 1932 الذي لم يجر تحديثه أبدا، نظرا للتداعيات السياسية على سكان لبنان الذين تقلصت أعدادهم.
بعد 40 عاما من تخصيصها للمجالس الاجتماعية، كانت النخبة اللبنانية المارونية والسنية وحتى بعض العائلات الإقطاعية الشيعية التقليدية تميل إلى معاملة الشيعة بازدراء وإهمال، وعانى الفلاحون في الجنوب من الفقر وارتفاع الأمية، كما عانوا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية إسرائيل من جنوب لبنان، وانتقم الإسرائيليون بالمثل.
رحب سكان الجنوب لفترة وجيزة بالغزو الإسرائيلي عام 1982، على الرغم من أن التكتيكات الإسرائيلية سرعان ما أبعدتهم، مما دفع الآلاف إلى الهجرة من قرى الأسلاف إلى الأحياء الفقيرة في ضواحي بيروت الجنوبية الفقيرة.
في هذه الأثناء، كان ينظر إلى القوة المتعددة الجنسيات في لبنان التي تتكون من أفراد عسكريين من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، والتي تأسست عام 1982 للإشراف على إخلاء منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان على نحو متزايد باعتبارها طرفا متحاربا حزبيا، وليس لاعبا محايدا، خاصة بعد اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في سبتمبر 1982.
الإيرانيون وتصدير الثورة
كانت الفرصة مثالية للملالي الإيرانيين لتصدير ثورتهم إلى لبنان، في ظل الاحتلال الإسرائيلي الوحشي والضحايا الفلسطينيين في المخيمات المزرية والفوضى التي أفضت إلى حرب أهلية مستمرة، والأهم من ذلك السكان المستبعدون الذين هم في أمس الحاجة إلى الخلاص والأمن السياسي والاقتصادي.
حاول موسى الصدر إيقاظ النشاط السياسي، لكنه أخفاه النظام الليبي عام 1978، وتابعت إيران ما بدأه الصدر بما في ذلك، إذا لزم الأمر، عن طريق الاغتيالات وقوة الميليشيات.
وبصورة ملائمة بالنسبة لجمهورية إيران التي كانت انطلقت في 1979، باتت محاربة «الإمبرياليين» و»الصهاينة» نغمة تعزز قوتها في لبنان، مع تلميع السمعة الثورية للحكومة الإيرانية في وقت كانت متورطةفيه بحرب مع العراق.
لم يلاحظ الجميع شيئا مع ضجيج الحرب الأهلية اللبنانية، عندما أنشأ الحرس الثوري الإيراني ما يصل إلى 1000 معسكر تدريب في وادي البقاع في أوائل الثمانينات، وضخت إيران عشرات الملايين من الدولارات (بعض التقديرات تتجاوز 200 مليون دولار) سنويا لتغطية الرواتب والخدمات التي أهملت الدولة اللبنانية تمديدها.
وعلى عكس الفساد والمحسوبية لدى القادة اللبنانيين التقليديين، زرع «حزب الله» صورة من الكفاءة والصدق، ولكن بحلول عام 1985، عندما صدر البيان الأولي الذي دعا، من بين أمور أخرى، إلى إقامة جمهورية إسلامية على غرار إيران في لبنان، كانت الجماعة اشتهرت على المستوى الدولي بأساليبها في الهجمات الانتحارية المتزامنة التي قام بنسخها في وقت لاحق إرهابيون آخرون.
إرث دموي وتفجيرات انتحارية
بالنسبة لإيران، كان حزب الله قصة نجاح بالفعل في هذه المرحلة، ادعى الحزب الفضل في رحيل العسكريين الأمريكيين والفرنسيين عام 1984 ومغادرة الإسرائيليين من بيروت عام 1985 إلى منطقة أمنية في جنوب لبنان، فقد أعطى استيلاء حزب الله على الرهائن الإيرانيين نفوذا، مع محاولات إدارة ريجان شرح فضيحة كونترا الإيرانية من خلال الادعاء بأن مبيعات الأسلحة إلى طهران كانت تهدف إلى ضمان إطلاق سراح الأمريكيين من حزب الله.
في الوقت الذي يقلل فيه قادة حزب الله اليوم من هذا الإرث الدموي من التفجيرات الانتحارية، واختطاف الرهائن، والتعذيب، والقتل، فإن هذا التاريخ كان مؤشر نجاح حزب الله لاحقا في استخدام الرهائن الإسرائيليين لضمان إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين واللبنانيين من الحجز الإسرائيلي، وفي عام 1985 أعلن حزب الله أيضا النصر لـ «المقاومة» في إجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، ونجاها من الهجمات البرية والجوية الإسرائيلية في حرب صيف 2006 المدمرة التي أثارها حزب الله.
اغتيالات وشبكة إجرامية دولية
يعد حزب الله بالنسبة للإيرانيين رصيدا استراتيجيا يحمل نفوذهم إلى البحر الأبيض المتوسط، فصواريخه دليل ملموس على أوراق اعتماده، وقيمته بالنسبة لطهران تتجاوز المسرح اللبناني، حيث يقوم بدور مهم في المساعدة الفنية والتدريب للميليشيات العراقية المدعومة من إيران، وأخيرا في اليمن.
تحركه إيران بالريموت كونترول، ويقدم خدمات اغتيال ودمار شامل، وقد وجهت «المحكمة الخاصة بلبنان» لائحة اتهام إلى «حزب الله» باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير 2005، وبات الحزب بالنسبة لطهران يحمل قدرات خاصة دائما جاهزة لمهام متميزة.
وكما توضح الهجمات الانتحارية في عامي 1992 و1994 ضد السفارة الإسرائيلية والمركز اليهودي في بوينس آيرس على التوالي، فإن حزب الله لا يتوقف عند حافة البحر المتوسط، وفي الآونة الأخيرة اتهم بارتكاب اعتداء 2012 في بلغاريا ضد حافلة للسائحين الإسرائيليين، وهجمات أحبطت لاحقا في أذربيجان وقبرص.
وأعلنت الأرجنتين عن اعتقال عناصر حزب الله قبل انعقاد قمة مجموعة العشرين الأخيرة، كما طور الحزب القدرة على مساعدة إيران على تجنب العقوبات، وبالاعتماد على عدد كبير من المغتربين اللبنانيين في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، تمكن من السيطرة على الروابط الإجرامية الخاصة بالتهريب وغسيل الأموال والاتجار بالمخدرات، والأهم من ذلك بالنسبة لإيران، فإن مقاتلي حزب الله، المدعومين بالقوة الجوية الروسية، كانوا جزءا أساسيا من بقاء بشار الأسد في سوريا. ببساطة بات الحزب نسخة كريهة في الإرهاب والدمار.
حزب الله كممثل لبناني
عندما يصف الناس حزب الله بأنه «دولة داخل دولة»، وصفه «فريد هوف» بلطف حتى وقت قريب في مجلس الأطلسي وبأنه «دولة داخل دولة غير دولة»، على عكس الميليشيات اللبنانية الأخرى التي قاتل بعضها بعضا، لقد تهرب حزب الله من متطلبات نزع السلاح في اتفاق الطائف عام 1989 بالاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
ومنذ حرب 2006 قدمت إيران زيادة هائلة في حجم ترسانته، من حيث الحجم والنوع والتدمير، وهي حقيقة لم تنطبق على الزعماء السياسيين اللبنانيين الآخرين وأباطرة الحرب الذين فككوا ميليشياتهم طواعية وفقا للطائف.
وفي عهد حسن نصر الله الأمين العام الجديد الذي حل محل عباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل عام 1992، قرر الحزب المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ذلك العام للمرة الأولى، وبات حريصا أخيرا على اقتناص الحقائب الوزارية، وتشير بعض التكهنات إلى أن دور حزب الله المتنامي في السياسة والحكم من شأنه أن يقلل من أهمية سلاحه.
ويستخدم حزب الله الآن مزيجا من شعبيته بين الشيعة في لبنان، ومواقفه في البرلمان اللبناني ومجلس الوزراء، وقوته لممارسة حق النقض لأي سياسة حكومية لبنانية تعارضها، بينما في الوقت نفسه يبني جدارا لا يمكن اختراقه ضد أي محاسبة عامة أو برلمانية على تصرفاته.
الغطاء السياسي لميشال عون
ما يمنح حزب الله قوة خاصة في البيئة اللبنانية الحالية هو قدرة حسن نصر الله على تأكيد أن حزب الله يمثل المصالح الوطنية اللبنانية، بدلا من مواقف طهران ودمشق، ومع الفوضى السياسية المدهشة حتى بالمعايير اللبنانية، احتضن الرئيس ميشال عون (مسيحي ماروني عد أتباعه رمزا للمقاومة ضد دمشق) دوره كعنصر تمكين لحزب الله في هذا الصدد، حيث وقع مع صهره وزير الخارجية الحالي جبران باسيل، على مذكرة تفاهم عام 2006 بين التيار الوطني الحر لعون وحزب الله، وحافظت المجموعتان على تحالف مقرب منذ ذلك الحين.
وبالنسبة لعون، كانت مذكرة التفاهم التي أبرمها زوج ابنته مع حزب الله خطوة على الطريق نحو تحقيق طموحه طويل الأمد في انتخابه رئيسا، حيث تجاوزت نرجسيته معارضته السابقة لهيمنة سوريا على لبنان، وبالنسبة لحركة نصر الله، كانت مذكرة التفاهم مع كتلة
مسيحية رئيسية مهمة، ومع قيام الوزراء المسيحيين وأعضاء البرلمان التابعين للحركة بحماسة لأهدافه، تمكن نصر الله من استغلال خصائص ديمقراطية لبنان لتأكيد إرادته دستوريا.
الانقسام الطائفي يخدم إيران
يمكن للقادة الإيرانيين أن ينظروا بارتياح إلى ما حققه استثمارهم على مدار أربعة عقود في لبنان، مع مقاتليها الذين خاضوا معارك على الأرض على مدى سنوات عدة في سوريا، وبسبب ترسانته العسكرية الموسعة والمتطورة، فإن حزب الله يبدو بالنسبة لإيران أقوى عسكريا من أي وقت مضى.
ومن الواضح الآن أن إيران التي طالب في بيان عام 1985 حزب الله بحماية مصالحه ومصالح إيران، فإن التحالف مع ميشيل عون يمنح دعامات حزب الله الدستورية القدرة على التلاعب وشل الحكومة كما تشاء، في حين أن حزب الله أثبت بنجاح أنه يستطيع استخدام التخويف والتهديدات لمنع التدقيق العام والنقاش حول سلاحه.
علاوة على ذلك، ونظرا للواقع الديموغرافي، فإن الزخم يكمن وراء فكرة إجراء مزيد من التنقيحات على الانقسام الطائفي في لبنان، فمن المؤكد أنها ستضمن لحزب الله، بالنظر إلى هيمنته على السياسات الشيعية، «الثلث المعطل» الدستوري الدائم على القرارات البرلمانية والحكومية المهمة، دون أن تقلق ما إذا كان التحالف مع التيار الوطني الحر سيتجاوز عون.
ويمكن لإيران أن تتوقع أن عددا متزايدا من الشخصيات السياسية اللبنانية التي تخدم نفسها بنفسها، وتتنبأ بكيفية هبوب رياح سياسية إقليمية ودولية، قد يقررون أن الانضمام إلى التحالف بين طهران ودمشق وحزب الله هو الرهان الرابح، خاصة في ظل عدم اليقين بشأن القيادة الأمريكية والموثوقية في ضوء قرار إدارة ترمب سحب القوات الأمريكية من سوريا.
توفير السيولة النقدية
يحذر بعض المحللين الإيرانيين من إرجاع مقاتلي حزب الله من سوريا إلى لبنان، مع عدم وجود فرص عمل، ويناضل حزب الله لمواجهة المقاتلين السابقين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، أو إدمان المخدرات، أو السلوك الوحشي المحتضن في بيئة سوريا الخارجة على القانون.
وتفسر الرواتب المتأخرة لموظفي الخدمة الاجتماعية في حزب الله وتأخير المدفوعات للموردين على أنها علامات بأن العقوبات الأمريكية ضد إيران وحزب الله لها أثرها، ويمكن تفسير إصرار حزب الله على الحصول على وزارة الصحة في الحكومة الجديدة جزئيا من أجل إحراق أوراق اعتماده، من حيث تقديم الخدمات بصورة نزيهة نسبيا، ولكن لا يبدو من قبيل المصادفة أن تحكم وزارة الصحة سلطة حزب الله على كميات كبيرة من السيولة النقدية.
حان الوقت لتفكيك الحزب
وبالنظر إلى سياسة إدارة ترمب المعلنة بالضغط على إيران، يبدو أن الوقت مناسب لزيادة التركيز وتفكيك حزب الله، أنجح صادرات إيران الثورية وإحدى أدواتها الأساسية للفساد المميت على الصعيدين الإقليمي والدولي، وحان الوقت للولايات المتحدة للتفكير بجدية في كيفية إظهار المسؤولين ومؤيدي التيار الوطني الحر الذين يملك كثير منهم روابط مع الولايات المتحدة.
على نطاق أوسع، تنظر الولايات المتحدة في كيفية العمل مع الآخرين لمنع ظهور الكيانات الأخرى المشابهة لحزب الله في أماكن أخرى في المنطقة، وتظهر فائدة الإدراك المتأخر بوضوح ما قام به مدربو الحرس الثوري في وادي البقاع والإعانات الإيرانية للوظائف والخدمات من حيث خلق الزخم وراء نمو حزب الله.
أكد مركز أبحاث بروكنز الأمريكي أن حزب الله نشأ نتيجة فوضى الحرب الأهلية في لبنان، عندما دمرت الفصائل اللبنانية والفلسطينيون والإسرائيليون والسوريون والوكلاء المختلفون البلد، حيث كانت الأرض خصبة لقادة إيران في مرحلة ما بعد 1979 لإثبات أن مثالهم يمكن أن يتكرر في العالم العربي.
جذور الطائفية في لبنان
في التوازن المعقد لما يسمى بالنظام الطائفي الذي اعتمد عام 1943 عند استقلال لبنان، تم تخصيص المناصب الحكومية بحسب الطائفة الدينية، وعلى الوزن الديموغرافي لكل مجموعة، كما يتجلى ذلك في تعداد عام 1932 الذي لم يجر تحديثه أبدا، نظرا للتداعيات السياسية على سكان لبنان الذين تقلصت أعدادهم.
بعد 40 عاما من تخصيصها للمجالس الاجتماعية، كانت النخبة اللبنانية المارونية والسنية وحتى بعض العائلات الإقطاعية الشيعية التقليدية تميل إلى معاملة الشيعة بازدراء وإهمال، وعانى الفلاحون في الجنوب من الفقر وارتفاع الأمية، كما عانوا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية إسرائيل من جنوب لبنان، وانتقم الإسرائيليون بالمثل.
رحب سكان الجنوب لفترة وجيزة بالغزو الإسرائيلي عام 1982، على الرغم من أن التكتيكات الإسرائيلية سرعان ما أبعدتهم، مما دفع الآلاف إلى الهجرة من قرى الأسلاف إلى الأحياء الفقيرة في ضواحي بيروت الجنوبية الفقيرة.
في هذه الأثناء، كان ينظر إلى القوة المتعددة الجنسيات في لبنان التي تتكون من أفراد عسكريين من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، والتي تأسست عام 1982 للإشراف على إخلاء منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان على نحو متزايد باعتبارها طرفا متحاربا حزبيا، وليس لاعبا محايدا، خاصة بعد اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في سبتمبر 1982.
الإيرانيون وتصدير الثورة
كانت الفرصة مثالية للملالي الإيرانيين لتصدير ثورتهم إلى لبنان، في ظل الاحتلال الإسرائيلي الوحشي والضحايا الفلسطينيين في المخيمات المزرية والفوضى التي أفضت إلى حرب أهلية مستمرة، والأهم من ذلك السكان المستبعدون الذين هم في أمس الحاجة إلى الخلاص والأمن السياسي والاقتصادي.
حاول موسى الصدر إيقاظ النشاط السياسي، لكنه أخفاه النظام الليبي عام 1978، وتابعت إيران ما بدأه الصدر بما في ذلك، إذا لزم الأمر، عن طريق الاغتيالات وقوة الميليشيات.
وبصورة ملائمة بالنسبة لجمهورية إيران التي كانت انطلقت في 1979، باتت محاربة «الإمبرياليين» و»الصهاينة» نغمة تعزز قوتها في لبنان، مع تلميع السمعة الثورية للحكومة الإيرانية في وقت كانت متورطةفيه بحرب مع العراق.
لم يلاحظ الجميع شيئا مع ضجيج الحرب الأهلية اللبنانية، عندما أنشأ الحرس الثوري الإيراني ما يصل إلى 1000 معسكر تدريب في وادي البقاع في أوائل الثمانينات، وضخت إيران عشرات الملايين من الدولارات (بعض التقديرات تتجاوز 200 مليون دولار) سنويا لتغطية الرواتب والخدمات التي أهملت الدولة اللبنانية تمديدها.
وعلى عكس الفساد والمحسوبية لدى القادة اللبنانيين التقليديين، زرع «حزب الله» صورة من الكفاءة والصدق، ولكن بحلول عام 1985، عندما صدر البيان الأولي الذي دعا، من بين أمور أخرى، إلى إقامة جمهورية إسلامية على غرار إيران في لبنان، كانت الجماعة اشتهرت على المستوى الدولي بأساليبها في الهجمات الانتحارية المتزامنة التي قام بنسخها في وقت لاحق إرهابيون آخرون.
إرث دموي وتفجيرات انتحارية
بالنسبة لإيران، كان حزب الله قصة نجاح بالفعل في هذه المرحلة، ادعى الحزب الفضل في رحيل العسكريين الأمريكيين والفرنسيين عام 1984 ومغادرة الإسرائيليين من بيروت عام 1985 إلى منطقة أمنية في جنوب لبنان، فقد أعطى استيلاء حزب الله على الرهائن الإيرانيين نفوذا، مع محاولات إدارة ريجان شرح فضيحة كونترا الإيرانية من خلال الادعاء بأن مبيعات الأسلحة إلى طهران كانت تهدف إلى ضمان إطلاق سراح الأمريكيين من حزب الله.
في الوقت الذي يقلل فيه قادة حزب الله اليوم من هذا الإرث الدموي من التفجيرات الانتحارية، واختطاف الرهائن، والتعذيب، والقتل، فإن هذا التاريخ كان مؤشر نجاح حزب الله لاحقا في استخدام الرهائن الإسرائيليين لضمان إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين واللبنانيين من الحجز الإسرائيلي، وفي عام 1985 أعلن حزب الله أيضا النصر لـ «المقاومة» في إجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، ونجاها من الهجمات البرية والجوية الإسرائيلية في حرب صيف 2006 المدمرة التي أثارها حزب الله.
اغتيالات وشبكة إجرامية دولية
يعد حزب الله بالنسبة للإيرانيين رصيدا استراتيجيا يحمل نفوذهم إلى البحر الأبيض المتوسط، فصواريخه دليل ملموس على أوراق اعتماده، وقيمته بالنسبة لطهران تتجاوز المسرح اللبناني، حيث يقوم بدور مهم في المساعدة الفنية والتدريب للميليشيات العراقية المدعومة من إيران، وأخيرا في اليمن.
تحركه إيران بالريموت كونترول، ويقدم خدمات اغتيال ودمار شامل، وقد وجهت «المحكمة الخاصة بلبنان» لائحة اتهام إلى «حزب الله» باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير 2005، وبات الحزب بالنسبة لطهران يحمل قدرات خاصة دائما جاهزة لمهام متميزة.
وكما توضح الهجمات الانتحارية في عامي 1992 و1994 ضد السفارة الإسرائيلية والمركز اليهودي في بوينس آيرس على التوالي، فإن حزب الله لا يتوقف عند حافة البحر المتوسط، وفي الآونة الأخيرة اتهم بارتكاب اعتداء 2012 في بلغاريا ضد حافلة للسائحين الإسرائيليين، وهجمات أحبطت لاحقا في أذربيجان وقبرص.
وأعلنت الأرجنتين عن اعتقال عناصر حزب الله قبل انعقاد قمة مجموعة العشرين الأخيرة، كما طور الحزب القدرة على مساعدة إيران على تجنب العقوبات، وبالاعتماد على عدد كبير من المغتربين اللبنانيين في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، تمكن من السيطرة على الروابط الإجرامية الخاصة بالتهريب وغسيل الأموال والاتجار بالمخدرات، والأهم من ذلك بالنسبة لإيران، فإن مقاتلي حزب الله، المدعومين بالقوة الجوية الروسية، كانوا جزءا أساسيا من بقاء بشار الأسد في سوريا. ببساطة بات الحزب نسخة كريهة في الإرهاب والدمار.
حزب الله كممثل لبناني
عندما يصف الناس حزب الله بأنه «دولة داخل دولة»، وصفه «فريد هوف» بلطف حتى وقت قريب في مجلس الأطلسي وبأنه «دولة داخل دولة غير دولة»، على عكس الميليشيات اللبنانية الأخرى التي قاتل بعضها بعضا، لقد تهرب حزب الله من متطلبات نزع السلاح في اتفاق الطائف عام 1989 بالاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
ومنذ حرب 2006 قدمت إيران زيادة هائلة في حجم ترسانته، من حيث الحجم والنوع والتدمير، وهي حقيقة لم تنطبق على الزعماء السياسيين اللبنانيين الآخرين وأباطرة الحرب الذين فككوا ميليشياتهم طواعية وفقا للطائف.
وفي عهد حسن نصر الله الأمين العام الجديد الذي حل محل عباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل عام 1992، قرر الحزب المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ذلك العام للمرة الأولى، وبات حريصا أخيرا على اقتناص الحقائب الوزارية، وتشير بعض التكهنات إلى أن دور حزب الله المتنامي في السياسة والحكم من شأنه أن يقلل من أهمية سلاحه.
ويستخدم حزب الله الآن مزيجا من شعبيته بين الشيعة في لبنان، ومواقفه في البرلمان اللبناني ومجلس الوزراء، وقوته لممارسة حق النقض لأي سياسة حكومية لبنانية تعارضها، بينما في الوقت نفسه يبني جدارا لا يمكن اختراقه ضد أي محاسبة عامة أو برلمانية على تصرفاته.
الغطاء السياسي لميشال عون
ما يمنح حزب الله قوة خاصة في البيئة اللبنانية الحالية هو قدرة حسن نصر الله على تأكيد أن حزب الله يمثل المصالح الوطنية اللبنانية، بدلا من مواقف طهران ودمشق، ومع الفوضى السياسية المدهشة حتى بالمعايير اللبنانية، احتضن الرئيس ميشال عون (مسيحي ماروني عد أتباعه رمزا للمقاومة ضد دمشق) دوره كعنصر تمكين لحزب الله في هذا الصدد، حيث وقع مع صهره وزير الخارجية الحالي جبران باسيل، على مذكرة تفاهم عام 2006 بين التيار الوطني الحر لعون وحزب الله، وحافظت المجموعتان على تحالف مقرب منذ ذلك الحين.
وبالنسبة لعون، كانت مذكرة التفاهم التي أبرمها زوج ابنته مع حزب الله خطوة على الطريق نحو تحقيق طموحه طويل الأمد في انتخابه رئيسا، حيث تجاوزت نرجسيته معارضته السابقة لهيمنة سوريا على لبنان، وبالنسبة لحركة نصر الله، كانت مذكرة التفاهم مع كتلة
مسيحية رئيسية مهمة، ومع قيام الوزراء المسيحيين وأعضاء البرلمان التابعين للحركة بحماسة لأهدافه، تمكن نصر الله من استغلال خصائص ديمقراطية لبنان لتأكيد إرادته دستوريا.
الانقسام الطائفي يخدم إيران
يمكن للقادة الإيرانيين أن ينظروا بارتياح إلى ما حققه استثمارهم على مدار أربعة عقود في لبنان، مع مقاتليها الذين خاضوا معارك على الأرض على مدى سنوات عدة في سوريا، وبسبب ترسانته العسكرية الموسعة والمتطورة، فإن حزب الله يبدو بالنسبة لإيران أقوى عسكريا من أي وقت مضى.
ومن الواضح الآن أن إيران التي طالب في بيان عام 1985 حزب الله بحماية مصالحه ومصالح إيران، فإن التحالف مع ميشيل عون يمنح دعامات حزب الله الدستورية القدرة على التلاعب وشل الحكومة كما تشاء، في حين أن حزب الله أثبت بنجاح أنه يستطيع استخدام التخويف والتهديدات لمنع التدقيق العام والنقاش حول سلاحه.
علاوة على ذلك، ونظرا للواقع الديموغرافي، فإن الزخم يكمن وراء فكرة إجراء مزيد من التنقيحات على الانقسام الطائفي في لبنان، فمن المؤكد أنها ستضمن لحزب الله، بالنظر إلى هيمنته على السياسات الشيعية، «الثلث المعطل» الدستوري الدائم على القرارات البرلمانية والحكومية المهمة، دون أن تقلق ما إذا كان التحالف مع التيار الوطني الحر سيتجاوز عون.
ويمكن لإيران أن تتوقع أن عددا متزايدا من الشخصيات السياسية اللبنانية التي تخدم نفسها بنفسها، وتتنبأ بكيفية هبوب رياح سياسية إقليمية ودولية، قد يقررون أن الانضمام إلى التحالف بين طهران ودمشق وحزب الله هو الرهان الرابح، خاصة في ظل عدم اليقين بشأن القيادة الأمريكية والموثوقية في ضوء قرار إدارة ترمب سحب القوات الأمريكية من سوريا.
توفير السيولة النقدية
يحذر بعض المحللين الإيرانيين من إرجاع مقاتلي حزب الله من سوريا إلى لبنان، مع عدم وجود فرص عمل، ويناضل حزب الله لمواجهة المقاتلين السابقين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، أو إدمان المخدرات، أو السلوك الوحشي المحتضن في بيئة سوريا الخارجة على القانون.
وتفسر الرواتب المتأخرة لموظفي الخدمة الاجتماعية في حزب الله وتأخير المدفوعات للموردين على أنها علامات بأن العقوبات الأمريكية ضد إيران وحزب الله لها أثرها، ويمكن تفسير إصرار حزب الله على الحصول على وزارة الصحة في الحكومة الجديدة جزئيا من أجل إحراق أوراق اعتماده، من حيث تقديم الخدمات بصورة نزيهة نسبيا، ولكن لا يبدو من قبيل المصادفة أن تحكم وزارة الصحة سلطة حزب الله على كميات كبيرة من السيولة النقدية.
حان الوقت لتفكيك الحزب
وبالنظر إلى سياسة إدارة ترمب المعلنة بالضغط على إيران، يبدو أن الوقت مناسب لزيادة التركيز وتفكيك حزب الله، أنجح صادرات إيران الثورية وإحدى أدواتها الأساسية للفساد المميت على الصعيدين الإقليمي والدولي، وحان الوقت للولايات المتحدة للتفكير بجدية في كيفية إظهار المسؤولين ومؤيدي التيار الوطني الحر الذين يملك كثير منهم روابط مع الولايات المتحدة.
على نطاق أوسع، تنظر الولايات المتحدة في كيفية العمل مع الآخرين لمنع ظهور الكيانات الأخرى المشابهة لحزب الله في أماكن أخرى في المنطقة، وتظهر فائدة الإدراك المتأخر بوضوح ما قام به مدربو الحرس الثوري في وادي البقاع والإعانات الإيرانية للوظائف والخدمات من حيث خلق الزخم وراء نمو حزب الله.