محمد أحمد بابا

الطريق من الرغبوية للشعبوية

السبت - 26 يناير 2019

Sat - 26 Jan 2019

مع التحول الرقمي والتفات الناس لإيحاد تأثير كبير في المجموعات عبر تقنيات الكترونية وعبر قراءة - يعتقدونها منطقية - لرقمنة المعلومة والمعرفة، لا تكاد تستبين طريق يمكن وصفها بأنها نظرية فئة أو ثقافة أخرى، إلا حين وجود دراسات تحليلية بحثية حيادية التوقع منصفة الاستخبار.

لكنني - بتواجد متواضع في ميادين الاختلاط المجتمعي وما أراه وأسمعه وأقرؤه في شتى القضايا والأمور - لفتت نظري جملة في حديث نبوي معناه (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)، وهذا التحذير النبوي يقودنا لتكوين مجتمع فشعب فدولة فدعوة فمقاصد شرع تهذب الرغبات ليتحقق توجيه رباني (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) والتعارف لا غلبة فيه إلا لمقصد شرعي وضحه الحديث السابق.

ومن المحير في الأمر أن الذهن يستوعب كلمة (شعب) كإفراز لقوى مجموعة من الناس تحت حدود دولة بالمفهوم الحديث والمدنية الناتجة عن التقسيمات وخروج عصبة الأمم المتحدة للوجود، ومع ذلك فالعقل الجمعي في الشرق الأوسط غير قادر على إنتاج تعريف لكلمة (شعب) تحمي الداخلين فيها وتخرج الوهم عن مدى انطباقها.

فالخطاب الشعبوي المليء بالأحلام الوردية واستدراج العواطف والمحاط بهالات تتوالى من الإيهام والإبهام حتى لا يصدق ولا يكذب في تنام منذ اتجه البعض للشهرة على حساب قاسم مشترك بين المستهدفين والقاصدين

أنهم هكذا يرغبون.

وحدود المزج بين الرغبة والشعب أفرزت شعبوية واضحة في النتاج الثقافي والأدبي الموجه نحو ما يستمتع به الناس ويذكرهم بتاريخ يسحبونه على كل واقعهم رغم أن أغلبهم ما عاشه ولم ير منه إلا قصص الأولين أو حديث الكتب.

وأما نقاش وجدال متواصل لا ينقطع يخص الجديد أو التجديد أو الشعور بالنقمة على بعض القديم فهو أسير رغبوية فريق وشعبوية فريق آخر، وضعهما على محك الاختبار أيهما أقدر على إبهار الجماهير من غيره.

وحيث إن تدخل الإنسان بالتوجيه المباشر وغير المباشر ماديا أو معنويا فيما يزعم أنه نتائج التجربة موجود لإثبات النجاح، فإن ذلك رغبوية بامتياز استطاعت التكيف مع ظروف فوضى التصورات لتجعل من الاعتقادات المسبقة نتائج حتمية هي من صنعها.

أظن أن مجتمعاتنا لم تستطع الثقة في الطبيعة ولا الطبيعي من الأحوال والمناخات والبيئة لتستخلص تقييما لمجريات استدلال من غير دفع نحو رغبويتها تمهيدا لشعبوية قول وارتجالية مقال تسر السامعين.

والأصل الذي يعرفه المنطق بأن نصاب الأشياء حيث هي أشياء من غير فضولية إنسان حيث يرغب، والفقه جاء بأن الخمر إذا تحللت وحدها خلا حلت، وإن تحللت بفعل فاعل خلا لم تحل، لتكون تلك نظرية (الرغبوية) تقريبا للمفهوم الذي أقصده ولو من بعيد.

يرغب الفرد فيما لا يعني الجماعة، وترغب الأسرة فيما لا يهم فردها، ويرغب واحد ما يضر قوما، ويرغب قوم ما لا يستطيعه واحدهم، وربما رغب الضعيف بعكس ما يهتم به الأقوياء، ولكن الغلبة في هذا التدافع وجدتها في صالح (الرغبوية) رغم ضعفها، وذلك بسبب مزج ترجمتها بالشعبوية المقالية التي يحسنها صناع الكلام.

والسيئ في هذه الموجة وبحارها وتلاطمها التنمر الشعبوي رغبة في الإقصاء، والاستعداء الرغبوي استهدافا لزيادة الموالين، والتسطيح للمفاهيم بالتقاط رائحة ما يتوقع من الأخطاء لمحاولة إثبات الاتهام، ثم استخدام سوء الظن - استراتيجية الشعبوية الأولى - حتى يشعر المخاطبون بما هو مرغوب فينصرفوا ناقمين.

استخدام (الرغبوية) في مجتمعات التعليم والإعلام والثقافة، بل وحتى الأنشطة الاجتماعية والأسرية، وكذلك في ثقافة التكوينات البشرية، مشهود وموجود منذ وجود الإنسانية لتتفاعل مع بعضها، إنما هو اليوم أضحى في زمن التكون تكامل استهدافات نحو رغبة عاطفية تحاول إذعان الحقيقية المعرفية لها ليفوز من انتهجها، فتكون (الرغبوية) تيار العصر.

الخطر الكبير الذي أعتقده هو أن يتمسك متلقف النتيجة الضبابية إثر الخطاب الشعبوي فتنتقل له عدوى (الرغبوية) بناء على هيمنة مشاعر وعواطف ليست هي حقيقة الموضوع، فتبنى على كل ذلك قرارات على الصعيد الشخصي أو المهني أو الأخلاقي، فيظلم أحدنا الآخر حيث ظن أنه من المحسنين.

albabamohamad@