المجسمات الجمالية.. ضرورة حضارية!

الجمعة - 25 يناير 2019

Fri - 25 Jan 2019

No Image Caption
عبدالغني القش
عند الحديث عن المجسمات الجمالية فإن الضرورة تقتضي التطرق لأهميتها وضرورتها بالنسبة لطرقنا وشوارعنا، وهل لها دور أم إنها مجرد كماليات تضاف، وأجسام توضع؟!

إن من الضرورة - في رأيي الشخصي - وضع لمسات جمالية على الدوارات والميادين ومداخل القرى والمتنزهات العامة، وتزيينها بأشكال ومجسمات تراثية تتناسب وطبيعة المنطقة، بدعم كامل من البلديات وبتمويل من الشركات والمؤسسات والبنوك.

ونلحظ غيابا شبه تام لمبادرات رجال الأعمال ومؤسسات القطاع الخاص في المساهمة في إنشاء المجسمات الجمالية، من خلال الاستفادة من مميزات كل منطقة من تراث تليد وتنوع تاريخي في التضاريس والطقس والأنماط العمرانية، والشكل الهندسي السائد بحسب ما تفرضه ظروف كل موقع وما تتوفر به من إمكانات وموارد طبيعية في إنشاء تلك الأشكال والمجسمات الجمالية، فالمجسمات وضعت لتضيف حسا فنيا وجمالا ذوقيا يتمتع به المشاهد ويتأمل فيه. وما نراه عكس ذلك، ففي بعض المدن هي غائبة تماما كما في المدينة المنورة (وهنا أزف البشرى بقرب ظهورها بعد لقائي بأمين عام هيئة التطوير ووعده بذلك).

كثير من البلديات لم تعط هذا الموضوع حقه، لذا هي تقوم على اجتهادات فردية وحماس من المسؤولين لإقامة المجسمات دون الرجوع إلى المتخصصين في الناحية الجمالية.

المجسمات تعكس الوضع الاجتماعي وتعنى به، فترى المدن الساحلية تهتم بالبيئة البحرية وتركز على الكائنات البحرية والسفن والمحار وأدوات الصيد، فيما نجد المدن الصحراوية تهتم بالحيوانات البرية كالجمال والصقور ودلال القهوة والفناجين، أما الزراعية فتهتم بالأشجار والشلالات المتدفقة.

إن مشاركة وسائل الإعلام مع المدارس مهمة في وضع حملة توعوية تثقيفية بأهمية المجسمات ووضع مسابقات مفتوحة لجميع الفئات، وتكاتف الجهات المسؤولة عن المجسمات أيضا مع الجهات الأمنية للمحافظة عليها - بعد إيجادها - من عبث العابثين، وأن يكون المجسم عنوانا للحي الموجود فيه، فمثلا يوضع مجسم عن التعليم في ميدان توجد فيه منشأة تعليمية، وأن تكون المجسمات معبرة من جميع الاتجاهات وعدم وضع مجسم ذي بعدين داخل ميدان دائري أو العكس، كذلك عدم وضع المجسمات بجانب بعضها، مما يفسد القيمة الجمالية لكل مجسم.

ولا أتصور أبدا أن الفنانين المتمكنين سيحارون في إيجاد المجسم الجمالي المناسب في المكان المناسب حيثما كان.

وقد انتقل الفنانون إلى مرحلة تشكيل المجسم، وهو ذلك النوع من الفنون الذي يتضمن أشكالا مجسمة ذات أبعاد ثلاثة تقام شامخة في ميادين بلادنا العزيزة، لتزيد جمالها جمالا، داخل الحدائق وغيرها من المتنزهات والأماكن الحيوية لاستغلال

المساحات داخل المدن وفي المداخل والمخارج.

وهذا النوع من المجسمات الجمالية لها أبعاد ثلاثة من حيث الإحساس الفني للكتلة والحركة، والمتعة الفنية ليس من خلال رؤيتها فقط، بل بما تعطيه من تأثيرات مختلفة نتيجة لتحويل الظلال التي تنشأ من تغيرات الضوء الساقط عليها، سواء كانت الأجسام من الخشب أو المعدن أو الأحجار، فمنها ما يحاكي التراث ومنها ما يجسد مناسبة ما وبعضها ذو تعبير جمالي.

وأناشد باستغلال الكوادر والطاقات للاستفادة من خبراتهم في المضمار الجمالي، فهم يستطيعون أن يبدعوا في الأفكار وتجسيد الأشكال الجمالية (المجسمات)، وموافقة رقي الحضارة التي نعايشها والبيئة والمجتمع، برؤيتهم الفنية من خلال اللمسات الدقيقة والإبداعية والإخراج الفني لها، سواء باختيار مواقعها أو أسلوب تنفيذها وأن يسطروا هذه الأشكال الجمالية بإبداعات فنية وإطلالة تراثية في مظهر حضاري ثقافي لمحاكاة المجتمعات الداخلية والخارجية في لغة واحدة بما يتناسب مع عقيدتنا السمحة.

والاستعانة بمعلمي التربية الفنية بالمملكة أو الفنانين التشكيليين أمر متحتم، فالجداريات التي نراها أحيانا تثبت قدراتهم ورقي إمكاناتهم وذوقهم الرفيع، وكذلك الخطاطون ذوو الفن الراقي. فهل نرى مدننا ومحافظاتنا ومراكزنا وقد اكتست حلة من البهاء من خلال المجسمات الجمالية واللوحات الجدارية؟!

[email protected]