عبدالله العولقي

الصراع الأمريكي الإيراني

الخميس - 24 يناير 2019

Thu - 24 Jan 2019

بعض المسؤولين الإيرانيين لا يزالون غارقين في أوهامهم وأحلامهم عندما يتبجحون بأن العراق أرض إيرانية، ومن الجلي أنهم لا يجيدون قراءة التاريخ السياسي، فإشكالية الذهنية الإيرانية أنها لا تزال تستعرض الشعوبية العنصرية في منهجيتها عندما تتعامل مع العرب الذين تمكنت من اختراق جغرافيتهم بينما تستهل اقتحامها لهذه الجغرافيا بنمطية الذهنية الدينية والطائفية المذهبية، ولعل التهميش الصارخ تجاه الشيعة العرب في بغداد مقابل ذوي الأصول الفارسية خير برهان على أن القضية لديهم قومية عرقية، وليست مذهبية طائفية كما يدعون، وذلك في استدعائية صارخة لعنصرية التاريخ الساساني القديم وإمبراطوريته المنقرضة على أيدي العرب الفاتحين!

لقد ارتكبت إدارة أوباما خطأ جسيما في تعاملها مع الملف العراقي عندما مكنت طهران وميليشياتها التخريبية كقوة مسلمة تمتلك الوصاية على الأرض والإنسان العراقي، ولكن عندما تداركت الإدارة الأمريكية الحالية تلك الأخطاء الفادحة وفرضت العقوبات الصارمة على طهران، ها هو الملالي يحاول اليوم أن ينقل صراعه مع واشنطن إلى جغرافيا العراق، ليخفف آثار أزمته الاقتصادية والسياسية مع الغرب، وحتى يتمكن أيضا من فرض ذاته كقوة تتعامل مع الولايات المتحدة بالندية خارج الإطار الجغرافي لإيران، ولكن الأعجب في سياسة الملالي أنه لا يزال يتعامل مع الاحتجاجات الشعبية المتفاقمة في الأقاليم الإيرانية بعقلية غير مكترثة بمطالبها الشرعية وحقوقها الإنسانية!

وفي واقع الأمر، إن ما يقترفه النظام الإيراني في حق معتقليه المغيبين في غياهب السجون وطالبي لقمة العيش من مواطنيه البسطاء يؤكد أن هذا النظام الإرهابي لا يزال يهذي ويتخبط في دياجير السقوط الحتمي والأفول السياسي عن الخارطة الكونية، فأيديولوجيته البائسة تحتم عليه أن يغدق بأمواله على أذرعه ووكلائه في المنطقة على حساب شعبه ومواطنيه، ويكفيه من مآسيه المروعة والمفجعة أن ما يعانيه الشعب العراقي اليوم من أزمات متراكمة وخوانق اقتصادية في حياته اليومية ما هو إلا بسبب التدخلات السافرة لحكومة الملالي في هذا العراق العظيم، فأرض الرافدين تعاني اليوم من أزمة مائية خانقة تسببت في تدمير القطاع الزراعي كاملا في الجنوب، وهذه من مؤامرات طهران العبثية على العراق لإبقائه في دائرة التجويع والتبعية، ولعل توهمات الملالي أن الأرض العراقية ستكون ميدانا لصراعه مع الغرب ستزيده وهنا على وهنه في أزماته الحالية، لأن هذا الميدان سيتسع حتما إلى عمق جغرافيته الإيرانية، وهذا ما تؤكده شواهد التاريخ البشري وصراعاته السياسية.

لا شك أن موضوع الطاقة سيكون من ضمن الملفات الملتهبة في ميدان الصراع الأمريكي الإيراني ضمن البيئة العراقية، ولعل أخطر وأبشع ما سيواجهه أفراد المجتمع العراقي بأعراقه وطوائفه وأديانه في هذه المعركة التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل أنهم سيتورطون في دوامة لعبة الوكلاء في وطنهم حتى يتقاتلوا ويتعاركوا مع بعضهم لصالح القوى الخارجية وتصبح المحصلة النهائية أن العراق والعراقيين هم الخاسر الأكبر!

أخيرا، إن قدر منطقتنا أن تبقى ساحة ملتهبة لتصفية الحسابات الإقليمية وميدانا للصراعات الدولية، وها هو عراق العروبة العظيم يستعد لأن يكون جغرافيا للصراع الأمريكي الإيراني، ومن وراء هذه الأحداث ربما يأخذنا التفاؤل الإيجابي إلى قراءة مستقبلية تتهيأ بخروج المعجزة من رحم المأساة عندما شرعنا نستبشر بعودة الصحوة العربية وإحيائها في نفوس الشعب العراقي الذي بدأ يتذمر من الوجود الإيراني العنصري في بلاده، وفي هذه المعركة المصيرية ربما يجد فرصته التاريخية في تحرير وطنه من براثن الاحتلال الصفوي لبغداد العروبة.

[email protected]