محمد علي العاوي

تعنت الحوثيين يفشل اتفاق ستوكهولم

الاثنين - 21 يناير 2019

Mon - 21 Jan 2019

بعنادها وتعنتها وإصرارها على استمرار الأزمة اليمنية، تسببت ميليشيات الحوثيين الانقلابية في إفشال اتفاق ستوكهولم، بعد أن تنصلت من تنفيذ كل بنوده التي سبق أن أعلنت موافقتها عليها، وتعهدت أمام المجتمع الدولي بتطبيقها على أرض الواقع، في تصرف ينسجم تماما مع طبيعتها المتمردة، وحقيقتها كمجرد أداة عميلة لنظام الملالي في ظهران الذي يهمه بطبيعة الحال أن تراوح الأزمة مكانها، لاستخدامها كورقة ضغط سياسي، للحصول على مكاسب خاصة به، لا تمت لمصلحة اليمنيين ولا الشعب اليمني بأي صلة.

بمجرد عودة الوفد الانقلابي من السويد، كان من المفترض بحسب الاتفاق البدء في تنفيذ الجزئية المتعلقة بتبادل السجناء، وبادرت الحكومة الشرعية بتقديم قوائم بأسماء عناصرها الموجودة في معتقلات التمرد، وتسلمت كذلك قوائم الانقلابيين، توطئة للإفراج عنهم بوساطة الصليب الأحمر، لكن الحركة المتمردة سرعان ما تنصلت من تنفيذ الاتفاق بذرائع تفتقد للمنطق وحجج واهية، فتارة تزعم أن أعدادا كبيرة من الذين وردت أسماؤهم في قائمة الشرعية غير موجودين لديها، وأن بعضهم قتلوا، مما يعني بوضوح تنصلها من تنفيذ الاتفاق.

والأمر نفسه انطبق على تعهداتها بالانسحاب من ميناء الحديدة، وهي الجزئية الأكثر أهمية في الاتفاق، نسبة للأهمية الاستراتيجية الكبيرة للميناء، بوصفه المدخل الرئيسي للمواد الطبية والمساعدات الإنسانية التي كان المجتمع الدولي يعول على إدخالها لإغاثة المدنيين الذين يتضورون جوعا وتفتك بهم الأمراض. ولم تقف تجاوزات الحوثيين عند هذا الحد، بل وصل الأمر بهم إلى توجيه الاتهامات جزافا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بالانحياز إلى جانب الحكومة الشرعية، وقصف مستودعات الغذاء التابعة للبرنامج وإحراقها.

وبسبب أسلوب التراخي غير المبرر الذي يتعامل به المجتمع الدولي مع الحركة، امتلك الانقلابيون الجرأة، وصعدوا من اعتداءاتهم العسكرية، وهاجموا قاعدة العند العسكرية، وتسببوا في مقتل عدد من عناصر الجيش الوطني في مقدمتهم رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء محمد صالح طماح، كما اعتدوا على موكب رئيس لجنة المراقبين الأممية وإعادة الانتشار في محافظة الحديدة الجنرال باتريك كاميرت، وأطلقوا النار على البعثة الأممية، في تصرف ينم بوضوح عن عدم رغبتهم في التوصل إلى حل سياسي للأزمة.

ومن المؤسف حقا أنه رغم تلك التجاوزات الصارخة الواضحة التي لا تحتاج أي دليل، ما زالت هناك دوائر تنتحل الأعذار للمتمردين، وتدعو للتعامل معهم بنفس أسلوب المهادنة والتراخي، بل إن الأمم المتحدة نفسها التي تعرض مبعوثها إلى محاولة اغتيال، أعلنت بشكل مثير للريبة أنها لا تدري مصدر إطلاق النار على الموكب، وهي المعلومة التي لا يجهلها أبسط مراقب للوضع في اليمن، ولا سيما أنها ليست الحادثة الأولى من نوعها، فقد سبق للمتمردين ارتكاب الفعل نفسه في فبراير 2017، عندما فتحوا نيران مدافعهم على موكب وكيل الأمين العام للمنظمة الدولية، ستيفن أوبراين الذي حاول دخول مدينة تعز المحاصرة، وعادوا في مايو من العام نفسه واعتدوا بالرصاص على موكب المبعوث الأممي السابق لليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، لدى خروجه من مطار صنعاء.

كل تلك التجاوزات تؤكد حقيقة واحدة هي أن الحاجة باتت ماسة لتغيير أسلوب التعامل مع تلك الميليشيات التي ثبت أنها لا تتجاوب مع الجهود السياسية إلا بأسلوب الضغط المتواصل، فإذا كان المجتمع الدولي يريد حقا إنهاء الأزمة فإن عليه اللجوء إلى ممارسة الضغط وفرض العقوبات، والكف فورا عن أسلوب المهادنة ومحاولة إمساك العصا من المنتصف، وتغيير النظرة إلى أتباع إيران على أنهم سلطة أمر واقع، فالوصف الحقيقي الذي ينطبق عليهم هو أنهم ميليشيات إجرامية خارجة على القانون. وعلى القوى العالمية التي تتعامل مع الأزمة في اليمن على أنها ورقة لتحقيق أجندة خاصة إدراك أن أرواح الشعب اليمني أغلى من استخدامها سلما لبلوغ غايات سياسية، فالتاريخ لا يرحم وذاكرته لا تنسى.

drmawi@