من خطب الجمعة

السبت - 19 يناير 2019

Sat - 19 Jan 2019

احذروا المشاقة

«أشد ما يحذره العقلاء على أنفسهم، وأعظم ما يحرصون على تنكبه واجتناب سبيله مشاقة الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، بالمخالفة والمعاندة والعصيان لهما حتى يصير المشاقون لهما كما قال الإمام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - (كأنهم ساروا في شق، وتركوا الشرع والإيمان واتباعه في شق)، فهذه المشاقة لله والرسول التي هي شأن الكافرين المكذبين بآيات الله عز وجل ورسله منافية أشد المنافاة للطاعة لهما، المتصف بها أولو الألباب من عباده، والصفوة من خلقه، فلا عجب أن كانت العقوبة الشديدة المرعبة المرهبة التي تقض لها مضاجع كل ذي حس مرهف، وقلب حي، وعقل سديد، لا عجب أن كانت هذه العقوبة مرصدة لمن شاق الله ورسوله، نكالا من الله وجزاء وفاقا، ينتظر كل مجترئ على ربه، وكل متعد لحدوده، لا يرجو له سبحانه وقارا، ولا يصيخ سمعه للنذر، ولا يتعظ بالمثلات، ولا يكون له فيمن أسخط الله واتبع هواه فعاجله الله بالنكال والعذاب الشديد عبرة موقظة، ولا عظة مستنقذة.

إن الله سبحانه وتعالى توعد المشاقين له ولرسوله صلى الله عليه وسلم بأشد العقاب في الدنيا، وبأسوأ المصير في الآخرة، ففي الدنيا جعل الله تعالى جزاء من سلك طريق المشاقة له ولرسوله أن يحسنها ويزينها في نفسه، استدراجا منه عز وجل، أما في الآخرة فيدخله العزيز القدير نار جهنم يصطلي بحرها، ويقاسي عذابها، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة.

إن من أظهر ما تكون به السلامة من سلوك سبيل المشاقة لله ورسوله تعظيم الله تعالى وكمال الخشية منه، الناشئة من العلم بعظيم قدرته، وشدة بأسه، وأليم عقابه، كما تكون السلامة منه أيضا بإسلام الوجه له سبحانه، والتسليم لأمره ونهيه».

أسامة خياط - المسجد الحرام

بذل الإحسان

«إن من المحاسن العظمى في دين الإسلام المقررة في أصوله القطعية الدعوة إلى الإحسان بشتى صوره ومختلف أشكاله، قال تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى).

مفتاح الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عباده، وأنه يجب على المسلم أن يحرص على بذل الإحسان فعلا وقولا في معاملاته وفي مزاولة حياته فيفوز بالثمار العظيمة والفوائد الجسيمة، فصاحب الإحسان في معية الله عز وجل الخاصة التي تقتضي الحفظ والتأييد والتوفيق والتسديد، بل ويفوز المحسن بأعظم مطلب، ألا وهو محبة الله سبحانه لعبده المحسن، فحينئذ يسعد ولا يشقى دنيا وأخرى.

إن بالإحسان تفرح القلوب وتنشرح الصدور وتجلب النعم وتدفع النقم، وما انتشر الإحسان في مجتمع إلا وتماسك بنيانه ورقي من الآفات الاجتماعية، وصار مجتمعا متحضرا راقيا خاليا من كدر النفوس وضغائن القلوب، وبهذا يسلم من نيران الفتن وأسباب الصراع، ولهذا جاءت التوجيهات الربانية للعباد بالإحسان في تصرفاتهم والعيش به في تعاملاتهم قال تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

الإحسان المرغوب فيه من الشرع يشمل بذل جميع المنافع من أي نوع كان، ولأي مخلوق يكون من إنسان أو حيوان، ولكنه يتفاوت أجره ويعظم فضله بتفاوت المحسن إليهم وحقهم ومقامهم فأعلاهم الوالدان ثم الأقارب ثم سائر الخلق، كما أن معنى الإحسان الجميل الذي يقتضي من المسلم أن يعامل غيره بكل جميل من الأفعال وطيب الأقوال، فمنه معروف يمنحه ومنه مال يعطيه أو نفع يبذله أو كلمة طيبة وعبارة حسنة مع لقاء جميل ومحيا رحب ووجه طلق مع بذل سلام.

إن الإحسان عطاء مدرار وضيافة بارة أو مواساة صادقة أو إعانة عن حاجة أو إدخال سرور على مسلم وإسداء جميل وإعطاء محروم ونصر مظلوم وإنقاذ مكروب وإعانة منكوب وزيارة مريض وإطعام جائع».

حسين آل الشيخ - المسجد النبوي