فلا يغر بطيب العيش «استاد»..!
سنابل موقوتة
سنابل موقوتة
الأربعاء - 16 يناير 2019
Wed - 16 Jan 2019
في الدنيا لا يحظى الإنسان أو الكائن الحي عموما بصفات تختص بها الجمادات، ولا أعلم هل الجمادات تعتقد أنها متميزة بهذه الصفات أم إنها تتمنى لو لم تكن كذلك، فلم يسبق النقاش مع أي جماد حول هذه القضية الشائكة.
الإنسان يكبر ويهرم وتبدو عليه علامات عبث الأيام. لو افترضنا أنك أيها الإنسان المسكين ولدت في ذات اليوم الذي بنيت فيه ـ على سبيل المثال ـ مدرسة في حارتكم، ثم قدر لهذه المدرسة أن تحظى بعناية وصيانة دورية فإنه لن يبدو عليها أي علامات للشيخوخة أو التقدم في العمر، بينما أنت الذي كنت تقفز من فوق سورها لتهرب منها لم تعد تستطيع المشي بجانب السور، لأنك تغيرت وتبدلت وهرمت وكبرت وآذت الأيام والسنون خلايا جسدك وأرهقتها.
الذي صمم برج إيفل ـ على سبيل المثال أيضا ـ تقدمت به السنون حتى مات، وكذلك العمال والمهندسون ومراقبو البلدية في ذلك العصر، لكن البرج لا زال موجودا كيوم ولادته، بل يبدو أنه يصغر ويزداد شبابا مع مرور الأيام.
مات ملوك الطوائف وذابوا في الأرض ولم يعد لهم وجود إلا في بضع قصائد حزينة، بينما لا زالت قصور قرطبة وطليطلة وغرناطة وإشبيلية حية ترزق.
وهكذا كل الجمادات والمشروعات والمباني والقصور تبدو فرصتها في «الحياة» أكبر من الإنسان وسائر الأحياء. وتبدو فكرة مربكة حين تكون الكائنات الميتة أطول عمرا من الكائنات الحية.
لكن معضلة حسدي للجمادات التي كانت تؤرقني بدأت في التلاشي والاضمحلال في الأيام الماضية، واقتنعت أن الجمادات يعتريها ما يعتري الإنسان من كبر وهرم وشيخوخة.
شاهد «استاد الملك فهد الدولي» وقد بدا هرما طاعنا في السن عاثت التجاعيد في وجهه، وآخر عهدي به يافعا فتيا مغرورا جامحا لا ينظر إلى بقية «الاستادات» إلا شزرا. ثم إني علمت أن ما أصابه من سوء المنقلب كان بسبب العقوق، وهذا ما أسقط البقية الباقية من اعتقادي بأن الجمادات تختلف عن البشر، وأنها أكثر قدرة على البقاء، وأن العقوق والتجاهل لا يؤثر فيها ولا يخفي نضارتها.
لم يكن ينقص منظر أرضية ذلك الاستاد إلا قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس، كانت ستكون أكثر ملاءمة من تعليق المعلق على مباراة في كرة القدم.
وعلى أي حال..
لا أعلم ما أسباب مرض ذلك الملعب، ولا يعلم إلا الله أي هيئة لديها دواء علته وبلسم شفائه، ومن يعلم فربما يكون علاجه وشفاء سقمه لدى هيئة الحياة الفطرية، فأعراض مرضه تشبه أعراض الرعي الجائر.
agrni@
الإنسان يكبر ويهرم وتبدو عليه علامات عبث الأيام. لو افترضنا أنك أيها الإنسان المسكين ولدت في ذات اليوم الذي بنيت فيه ـ على سبيل المثال ـ مدرسة في حارتكم، ثم قدر لهذه المدرسة أن تحظى بعناية وصيانة دورية فإنه لن يبدو عليها أي علامات للشيخوخة أو التقدم في العمر، بينما أنت الذي كنت تقفز من فوق سورها لتهرب منها لم تعد تستطيع المشي بجانب السور، لأنك تغيرت وتبدلت وهرمت وكبرت وآذت الأيام والسنون خلايا جسدك وأرهقتها.
الذي صمم برج إيفل ـ على سبيل المثال أيضا ـ تقدمت به السنون حتى مات، وكذلك العمال والمهندسون ومراقبو البلدية في ذلك العصر، لكن البرج لا زال موجودا كيوم ولادته، بل يبدو أنه يصغر ويزداد شبابا مع مرور الأيام.
مات ملوك الطوائف وذابوا في الأرض ولم يعد لهم وجود إلا في بضع قصائد حزينة، بينما لا زالت قصور قرطبة وطليطلة وغرناطة وإشبيلية حية ترزق.
وهكذا كل الجمادات والمشروعات والمباني والقصور تبدو فرصتها في «الحياة» أكبر من الإنسان وسائر الأحياء. وتبدو فكرة مربكة حين تكون الكائنات الميتة أطول عمرا من الكائنات الحية.
لكن معضلة حسدي للجمادات التي كانت تؤرقني بدأت في التلاشي والاضمحلال في الأيام الماضية، واقتنعت أن الجمادات يعتريها ما يعتري الإنسان من كبر وهرم وشيخوخة.
شاهد «استاد الملك فهد الدولي» وقد بدا هرما طاعنا في السن عاثت التجاعيد في وجهه، وآخر عهدي به يافعا فتيا مغرورا جامحا لا ينظر إلى بقية «الاستادات» إلا شزرا. ثم إني علمت أن ما أصابه من سوء المنقلب كان بسبب العقوق، وهذا ما أسقط البقية الباقية من اعتقادي بأن الجمادات تختلف عن البشر، وأنها أكثر قدرة على البقاء، وأن العقوق والتجاهل لا يؤثر فيها ولا يخفي نضارتها.
لم يكن ينقص منظر أرضية ذلك الاستاد إلا قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس، كانت ستكون أكثر ملاءمة من تعليق المعلق على مباراة في كرة القدم.
وعلى أي حال..
لا أعلم ما أسباب مرض ذلك الملعب، ولا يعلم إلا الله أي هيئة لديها دواء علته وبلسم شفائه، ومن يعلم فربما يكون علاجه وشفاء سقمه لدى هيئة الحياة الفطرية، فأعراض مرضه تشبه أعراض الرعي الجائر.
agrni@