عبدالله المزهر

التعاون الخيري على الإثم والعدوان..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأحد - 13 يناير 2019

Sun - 13 Jan 2019

لديه من السلاح ما يكفي لتسليح كتيبة كاملة، يخرج من منزله متمنطقا خنجره حاملا رشاشه متزينا بمسدس أو اثنين، ولو استطاع أن يحمل دبابة فوق ظهرة لما تردد، هو في الغالب لن يذهب لغزو الفرنجة، ولا لدحر عدوان التتار على أطراف الدولة، كل ما في الأمر أنه مدعو لحضور حفل زواج.

لديه قناعة ـ لأسباب لا أعلمها ـ أن المعنيين بقوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» هم الناس الذين سيقابلهم في حفل زواج أو عيد أو حتى في الطريق.

هو نفسه في الأوقات التي لا يوجد فيها مناسبات سعيدة تستدعي التسلح بكامل العدة والعتاد يغرق وسائل التواصل بصوره مع أسلحته المتوسطة والخفيفة، ويستحيل ألا تجد في سيارته قطعة أو قطعتين من سلاح قاتل.

ولذلك فإنه من المنطقي أن يكون السلاح حله الوحيد لأي مشكلة يتعرض لها، سواء كانت خلافا على موقف سيارة أو خلافا على موقف الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مما يجري في العالم. طريقته في التعامل مع الآخرين لا بد أن تمر من خلال السلاح، إما بالتهديد به أو بتجاوز مرحلة التهديد إلى الاستخدام.

وحين يرتكب جريمة مكتملة الأركان ويقتل نفسا بغير حق فإنه يصبح متساويا في ميزان المجتمع ـ الباحث عن عتق الرقاب ـ هو و«المبتلى» الذي قتل دون تخطيط ولا استعداد وربما لم يشاهد سلاحا في حياته.

أما الأمر الذي لا يخلو من غرابة فهو أن هذا المجتمع نفسه الذي لا يجد حرجا في جمع عشرات الملايين من أجل الإفراج عن قاتل مجرم يجد صعوبة في دفع عشر العشر من تلك المبالغ لإخراج سجين من ذات الزنزانة أرهقته الديون أو علاج مريض لا يجد قوت يومه، أو التكفل بمد يد العون للأيتام والأرامل الذين يرهقهم ويتعبهم وجع الحياة.

التكافل والتعاون من القيم العليا الجميلة، لكني أظن أن ما يحدث في جمع الديات من أجل إطلاق مجرمين متوقع إجرامهم هو من باب التعاون على الإثم والعدوان. وإذا لم يكن القتل إثما وعدوانا فما عساه يكون.

ولو أن إنسانا استدان مضطرا مكرها مبلغا من المال لا يتجاوز عشرات الآلاف ثم لم يستطع سداده لما فكرت القبيلة في مساعدته وانتزاعه من براثن السجن والفقر والحاجة، وسيكون المبرر أنه قد يستدين مرة أخرى ويتجرأ على «جيب» القبيلة. لكن ذات الإنسان لو قتل الشخص الذي استدان منه بدلا من أن يعيد إليه ماله لتكفلت القبيلة بجمع عشرات الملايين من أجل إنقاذه ودون التفكير في أنه «قد يقتل مرة أخرى».

من السهل أن نضفي على كثير من تصرفاتنا طابعا دينيا وخيريا، وأن نقول بأن الجموع التي تضغط على أولياء الدم إلى درجة الاستفزاز في هذه القضايا هدفهم ما عند الله، لكن هذا الأمر لا يصبح حقيقة لمجرد أننا نردده ونقوله، الحقيقة أن الهدف ـ في الغالب ـ قبلي علاقته بالهياط أقرب من علاقته بفعل الخير والسعي له.

وعلى أي حال..

نسأل الله السلامة وأن يعافينا مما ابتلى به كثيرا من خلقه، ولا أعلم حقيقة كيف يمكن أن تحل هذه المشكلة التي أصبحت ظاهرة، وربما أصبحت ظاهرة لأن القتل أصبح سهلا وميسورا ومدفوع التكاليف مسبقا، ولا أظن أني معني بالحلول لكني فقط أحب التعبير عن سخطي وامتعاضي بين الحين والآخر.

agrni@