محمد النفاعي

قليل من الجامي فو لإدارة المشاريع

الجمعة - 11 يناير 2019

Fri - 11 Jan 2019

قبل أشهر عدة بادرت شركات عالمية كبرى بإلغاء شرط الشهادة الجامعية للحصول على الوظيفة، والبديل هو ما يملكه المتقدم من مهارات وشهادات احترافية متخصصة في مجال معين. هذا شجع الجميع على الحصول على شهادات تخصصية في المجالات التي يرغبون بها، إحدى هذه الشهادات هي شهادة مدير مشروع. أصبحت هذه الشهادة ذات شعبية كبيرة داخل المؤسسات، وأقبل الموظفون أصحاب التخصصات الأكاديمية عليها بشغف أيضا. لكن هذه الشهادة لا تعلمنا كيف نستفيد من الجامي فو!

الجامي فو أو «المألوف المنسي» هي ظاهرة في علم النفس تفسر ما نشعر به من حرج أو ارتباك في لحظات معينة من حياتنا الشخصية أو العملية، عندما نواجه فيها شيئا من التردد في التجاوب أو التفاعل البناء مع شيء قد ألفناه واعتدنا عليه كثيرا.

سنستعرض توظيف هذه الظاهرة في علم إدارة المشاريع وكيفية تسخيرها لصالح مدير المشروع في التعامل مع إحدى أهم مراحل إدارة المشاريع، وهي مرحلة المتابعة والمراجعة قبل إغلاق المشروع. بل وكيف يستطيع الخروج بأفضل المكاسب العملية والإدارية من هذا الجامي فو؟

الموقف الذي مررت به شخصيا ويمر به تقريبا كل مدير مشروع ولو بطريقة مقاربة هو التالي:

أنت تحضر اجتماعا مع الإدارة العليا بحضور رئيسك المباشر لمراجعة أحد المشاريع التي ينفذها فريقك باحترافية تحت قيادتك. أثناء مراجعة جدول المهمات بالتفصيل، والتي ألفتها عن ظهر قلب كما يقال خلال فترة عملك على المشروع مع فريقك، فاجأك رئيسك المباشر المتواصل معك دائما وعلى اطلاع على التفاصيل الدقيقة بطرح اقتراحات جديدة على المشروع لأهداف أخرى لا تعلمها. المستجدات ستعوق إتمام المشروع في وقته ولا تعرف تماما أثرها على فريقك المنفذ. ستمر بحالة جامي فو وكأنك للمرة الأولى تتعامل مع هكذا موقف وهكذا شخص.

التصرف الأمثل من وجهة نظري هو تطبيق مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لست بالخب ولا الخب يخدعني». ذلك يكون بالإجابة بأنه اقتراح يستحق المراجعة والنظر فيه بتمعن مع أفراد الفريق، ومعرفة آرائهم ودراسة مدى تأثيره على المشروع بشكل عام. هنا عليك البدء بالثناء على مساهماتهم في المشروع وتفانيهم في التعامل مع كثير من المتغيرات بأقل الخسائر الممكنة حتى الآن. لا تبت في الموضوع إيجابا أو سلبا على هكذا مستجدات من المفترض أنها مألوفة لديك، بل تعامل معها وكأنها جامي فو للخروج من هذا الموقف بأقل الخسائر وأفضل المكتسبات التي ستحصل عليها لاحقا من صاحب الاقتراح، مثلا الطلب لاحقا، الاختيار بين زيادة الموارد المالية والبشرية أو تمديد مدة المشروع.

خلال سنوات العمل لاحظت كثيرا من مديري المشاريع الجدد يسارعون بتفنيد المقترح أو تأييده أثناء الاجتماع، إما كسبا لتعاطف المديرين أو العملاء أو حتى لاستعراض مهاراتهم التقنية والمعرفية بالتفاصيل الدقيقة للمشروع. هذه الأهداف رمزية ووقتية وشخصية تنساها الإدارة بسرعة ولا تخدم إكمال المشروع في نهاية الأمر وهو الأهم. وكما قيل «القائد الفعال هو من يجعل الظروف تعمل لصالحه». هنا مدير المشروع يكون الخاسر الأكبر لأنه من الممكن أن يفقد ثقة فريقه به كقائد يوصلهم إلى بر الأمان والوصول بالمشروع إلى مرحلة الإغلاق والتسليم.

ختاما، لا ضير في قليل من الجامي فو لإنجاح مشروعك، ولنتذكر قول المفكر الأمريكي روجر فريتز «المعرفة أمر جيد، والإرادة شيء أفضل، أما التصرف فهو أفضل الثلاثة».

msnabq@