محمد علي العاوي

المملكة تكشف وجهها الثقافي للعالم

الاثنين - 07 يناير 2019

Mon - 07 Jan 2019

عقب أيام قليلة من انطلاق المهرجان الوطني للثقافة والتراث «الجنادرية» في دورته الـ 33، وما صاحبه من زخم إعلامي عالمي، عطفا على ما بات يتمتع به المهرجان من سمعة دولية، انطلق مهرجان شتاء طنطورة في محافظة العلا التي باتت أنظار العالم تتعلق بها، بسبب ما تحتوي عليه من آثار فريدة، ولم يكد رواد المهرجان يكملون استمتاعهم بالليالي الفنية والثقافية، حتى بدأت الدورة الرابعة لمعرض جدة الدولي للكتاب بمشاركة 400 دار نشر تمثل أكثر من 40 دولة حول العالم. هذا الحراك الثقافي والتراثي الذي بات يمثل علامة من علامات المملكة يشير إلى حقيقة أساسية، هي أن بلادنا اختارت نقل رسالتها للعالم بوسائل حضارية، تكشف عن عمق ما لديها من إسهام حضاري وإنساني فريد، وأنها ليست مجرد دولة غنية بالنفط تساعد على استقرار الاقتصاد العالمي وتتحكم في مفاصل حركة التجارة الدولية.

ومما يميز هذه الفعاليات أن القائمين على أمرها لا يركزون فقط على الكم، بل إن الكيف يشكل مصدر اهتمامهم الأول، لأنها تقام وفق معايير عالمية، حيث لا تترك شاردة أو واردة للصدفة، وتشهد كل دورة من تلك المهرجانات تحديثا مستمرا وتغييرا متصلا نحو الأفضل والأكمل، لذلك تخضع للتقويم السنوي، وتتم إضافة فعاليات مصاحبة بصورة دورية. كما أنها لا تعد مجرد فعاليات اقتصادية بالمعنى المتعارف عليه، ولا يشكل الربح المادي دافعا رئيسا وراء الحرص على إقامتها، بل تنفق عليها الأموال الطائلة، وترصد لها ميزانيات ضخمة، قناعة بدورها الكبير في تعريف العالم بحقيقة الإنسان السعودي، وحضارته الضاربة بجذورها في عمق التاريخ. ومع ذلك فإن فوائدها الاقتصادية غير المباشرة تكمن في تشجيع السياحة الداخلية، واستقطاب السياح من مختلف دول العالم، وكذلك تعريف رجال الأعمال بالفرص الاستثمارية الهائلة التي تتوفر في المملكة، والبنية التحتية المتطورة التي توجد بها، واكتمال كل العناصر الجاذبة للاستثمار، وقبل كل ذلك ما تنعم به من حالة استقرار أمني فريدة، قل أن توجد في أي من دول العالم الأخرى. كما أن تلك الفعاليات فتحت نافذة لتعريف العالم بالأدب السعودي، ونشر الإنتاج المحلي في دول العالم المختلفة، وكان من انعكاسات ذلك أن بات الأدباء والشعراء السعوديون يشاركون في المحافل الدولية، وتوجه لهم الدعوات للمشاركة في كبريات الفعاليات في الدول الأخرى.

وإضافة إلى الفوائد الأدبية والعلمية والاقتصادية فإن هناك مكاسب أخرى تتحقق من تفعيل وتكثيف هذه الأنشطة والفعاليات، مثل تعريف العالم بالمجتمع المدني المتطور في المملكة، وإظهار المنجزات الاجتماعية والثقافية التي استطاعت بلادنا تحقيقها في زمن وجيز. والرد على الترهات والخرافات التي يرددها البعض عن بلادنا، وأن دور المرأة محدود في المشاركة المجتمعية، وهي اتهامات باطلة ظلت تتردد ويكررها البعض ببغائية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التأكد منها، وقد أشار بعض المشاركين في فعاليات ثقافية وسياسية أقيمت بالسعودية إلى دهشتهم مما رأوه بأعينهم من مجتمع متمدن ومتحضر، واعترفوا بأنهم تأثروا في السابق بتلك الدعاية السالبة، بل إن بعضهم كتب في صحف بلادهم عن زيارتهم للمملكة وما شاهدوه بأنفسهم.

ختاما إن كان من ملاحظة فهي أن هناك حاجة ماسة لزيادة مشاركة منظمات المجتمع المدني في تلك الفعاليات، وعدم اقتصارها على الجهد الحكومي فقط، ويبرز في هذا الصدد دور منتظر للشركات الكبرى والبنوك للإسهام في التمويل والتنظيم، على اعتبار ذلك نوعا من المسؤولية الاجتماعية، لأن القيام بمهمة الحفاظ على العادات والتقاليد الحميدة والكنوز التراثية والمنجزات الثقافية أقرب الطرق لربط الأجيال الناشئة بهويتها، وتحصينها ضد عوامل الاستلاب الحضاري والغزو الثقافي. كذلك فإن توسيع دائرة المشاركة سيؤدي بدون شك إلى تنمية الحس الوطني، وتعزيز الشعور بالانتماء، فمهمة تعريف الآخرين بموروثنا الحضاري ومنجزنا الأدبي هي مهمة لا تقل أهمية عن الدفاع عن بلادنا ضد أعدائها، فهذه المهمة النبيلة ليس شرطا أن تتم بالسلاح فقط، بل إن القلم والصورة والكلمة يمكن أن تكون أكثر قوة وأشد تأثيرا.

drmawi@