عبدالغني القش

مجالس الأحياء.. هل تشهد النماء؟!

الجمعة - 04 يناير 2019

Fri - 04 Jan 2019

يشهد المجتمع ظواهر لم يكن بالإمكان سابقا تخيلها فضلا عن معايشتها، ومن ذلك العزوف والتقوقع أن بات الجار لا يعرف جاره والقريب نأى عن قريبه، وباتت الصداقة الحقيقية ضربا من ضروب المستحيل، والزمالة في حدود ضيقة جدا ربما لا تتجاوز محيط العمل بحال، وهكذا بات التشتت سمة ظاهرة، والكل بات بمعزل عن الآخرين!

لكن الفضلاء لا يرضيهم هذا الوضع، والعقلاء يرفضونه تماما، والحكماء يقومون بجهود حثيثة من شأنها لم الشتات واجتماع الإخوة، ومد جسور التواصل بين أبناء المجتمع الواحد.

ومن ذلك فكرة جميلة تم تدشينها الأسبوع الماضي تحمل اسما جميلا هو «مجلس الحي» وتتلخص فكرته في إيجاد مقر في الحي يجتمع فيه الجيران والأحبة وتناقش فيه المشاكل وتوضع المقترحات والحلول، كما أنه يعد منبرا تنويريا بحيث تلقى فيه الندوات العلمية والاجتماعية والمحاضرات التثقيفية ويستضيف الشخصيات والضيوف من الشخصيات المرموقة لإفادة أهل الحي.

وقد دشن أمير منطقة المدينة المنورة بحضور نائبه ولفيف من الأهالي «مجلس حي بئر عثمان بن عفان» رضي الله عنه، وأعلن حينها أنه سيكون منطلقا ونواة لتسعين مجلسا بمشيئة الله بمدينة المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أي إنها ستكون في كل أحياء المدينة المنورة، وكان من الروعة أن يعلن مؤسس المجلس عبدالغني حسين أن المجلس ضمن الأوقاف الخاصة به لضمان استمراريته حتى بعد وفاته ووفاة أبنائه، ويا له من تفكير مستقبلي رائع.

وهنا مكمن الروعة وهو التخلص من انتظار موافقة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية والإجراءات المعقدة لاستخراج التصريح، والتي باتت تشكل عقبة كؤودا لكل من يرغب بإنشاء جمعية أو جهة خيرية في إجراءات ربما تمتد لسنوات!

ولا شك أن مجلس الحي له دور أكبر من الملحقات في بعض المساجد، وفيه تجهيزات، ويحوي قسمين للرجال وللنساء.

وقد قدم كاتب هذه السطور في المجلس مبادرة بعنوان «العناية بالآثار النبوية» بحيث تكون نقطة الانطلاقة من مبادرة ضمنية «مبادرة العناية بالآبار النبوية»، ولعلها تكون في مقال قادم لبسط القول فيها وتوضيح تفاصيلها.

أما مجالس الأحياء فإن الجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية بالمدينة المنورة كان لها السبق في إنشاء عمل مماثل يسمى مراكز للأحياء، لكنها انحسرت وتقوقعت وإن شئت فقل غاب دورها، ليأتي هذا الفتح على يدي ابن من أبناء المدينة ويعيد الصياغة بشكل مبسط في شكل مجلس لالتقاء أهل الحي.

ومن المؤسف أن فكرة مراكز الأحياء انتشرت في بعض المدن فأنشئت جمعيات مستقلة بهذا الاسم «جمعيات مراكز الأحياء» في حين أنها في المدينة تنازع ويبدو أنها في الرمق الأخير مع أنها انبثقت منها!

وها هي مدينة المبادرات تعطي مبادرة لمكنون اجتماعي آخر هو مجلس الحي، ويتمنى كل مخلص أن تعم هذه الفكرة جميع مناطقنا ومدننا ومحافظاتنا، فالناس بحاجة لمقر يجمعهم ويعرفهم ببعضهم، ويكون نقطة التقاء في أعيادهم ومناسباتهم، فتقوى صلاتهم وتتعزز أواصر المحبة بينهم، إضافة إلى أنها تمثل مركز إشعاع ثقافي بمعنى الثقافة العام.

وهذا يجرنا إلى الدور الذي يفترض أن يضطلع به الموسرون من رجال الأعمال، والمتمثل بنفع الآخرين والمحيطين بهم، فالخيرية يفترض أن تكون شعارا لهم، والإسهام في خدمة مجتمعهم ينبغي أن يكون هاجسهم، وإنشاء مثل هذه المجالس من الخيرية التي يرجى أن تكون لهم ذخرا في الآخرة وذكرا في الدنيا، فمنها تجري لهم الحسنات وإليها يفد ذوو القدرات، ومنها تنطلق المبشرات من حلول واقتراحات.

ويقودنا ذلك إلى التساؤل عن الدور الغائب المتمثل في المسؤولية الاجتماعية للبنوك والشركات والمؤسسات الكبرى، ومنه ننتقل إلى دور الجمعيات الذي بات خافتا لدرجة كبيرة!

فهل نطمع في تعميم فكرة «مجلس الحي» لتعم جميع أرجاء بلادنا؟!

[email protected]