عبدالله المزهر

الجن يساريون في الغالب!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 01 يناير 2019

Tue - 01 Jan 2019

قبل أن أسكن منزلي الحالي ـ على سبيل الإعارة ـ حذرني أكثر من شخص وقال بأن المنزل مسكون، ومسكون هنا مصطلح يعني أن الساكنين هم الجن تحديدا. ورووا لي بعض القصص عن تصرفات الإخوة من العالم السفلي وكيف يتعاملون مع أمثالي الدخلاء من العالم العلوي.

والحق أني لم ألتق جنيا من قبل، ولم تسنح لي الفرصة في التعرف على طبيعة حياتهم، ولذلك كان الأمر مقلقا وكان أشد ما أخشاه وأخافه هو أني يدور في خلدي ولو لوهلة أن جاري في منزلي السابق أفضل من الجيران الجدد.

الأمر الذي بدا أنه مشجع لي على المضي قدما هو أن الجن لا يستخدمون مواقف السيارات بشكل مستفز، ولا يرمون المخلفات أمام الباب بشكل مقزز، وهما أكثر أمرين كنت أعاني منهما وأفر من هكذا جيران كما يُفر من المجذوم.

قررت أن أسكن المنزل، ولم أخبر عائلتي بتلك التحذيرات حتى لا يفسروا كل صوت وكل حركة في المنزل على أنها تحريات إخوتنا العفاريت شركائنا في هذا الكوكب.

المهم أني سكنت معهم، ومضت حتى الآن سنوات دون أي مشاكل أو امتعاض من الطرفين، وهذا مثال حي يفند كل المزاعم التي تقول إني ضد التعايش مع الآخرين.

أختلف معهم في كثير من توجهاتهم واختياراتهم ولكني أعذرهم لأني لا أعرف كيف يفكرون، على سبيل المثال لا أفهم لماذا يتركون القصور وفنادق الخمس نجوم ويسكنون في بيت مثل بيتي، ما الذي أغراهم فيه ووجدوا أنه سقف أحلامهم الذي لا يتنازلون عنه؟

ويبدو لي ـ والله أعلم ـ أن الجن لا ينظرون للحياة من منظور مادي كما نفعل نحن الذين في الأعلى، الفقر والحاجة والجوع والرغبة ليست كلمات متداولة في عالمهم فيما يبدو، وهي الكلمات التي ربما كانت وراء كل مشاكل العالم العلوي.

ويبدو يقينيا أن الجن ليس لديهم بورصة ولا أسواق مال ولا أسعار نفط، وهم قطعا لا يعرفون أي عملات من أي نوع، ولهذا أظن أن سبب تعاطفهم معي في المنزل إن كانوا موجودين بالفعل هو أنهم يرون قواسم مشتركة وربما يفكرون في تجنيدي لأكون عميلا لهم في عالم البشريين. لكن المشكلة أني لن أقبل أن أكون عميلا بالمجان، العمالة المجانية ضياع للدين والدينا ـ كما تعلمون ـ وهذا قد يفسد كل شيء. سيكتشفون أني لست يساريا بما يكفي لكراهية المال وستنتهي حالة التعايش ويفجرون ثورة في المنزل.

وعلى أي حال..

اقتربت خططي العشرية لبناء منزل من نهايتها، ومن المؤكد أني سأترك لهم المنزل في نهاية المطاف، وسأتنازل عن أشجاري التي زرعتها في المنزل ليستفيدوا منها كحطب يشعلون به النيران في الحي بعد أن أغادره.

agrni@