الشخصية العلمية للجامعات!
الثلاثاء - 01 يناير 2019
Tue - 01 Jan 2019
هذه المقالة تستكمل ما بدأته في مقالتي السابقة بعنوان (شخصية جامعاتنا الإعلامية)، وهي تبحث موضوع الشخصية العلمية للجامعات عبر الإعلام، فإن كانت رسائل الماجستير والدكتوراه قديما تناقش على الهواء مباشرة عبر الإذاعة، فقد تضاءلت اليوم حتى لم تعد شيئا مذكورا، ولا خبرا مشهورا، فأين الجامعة السعودية اليوم التي تنشر (على الأقل) تغطية إعلامية رصينة عن مناقشة علمية عبر صحيفة، أو تنشرها عبر موقعها الالكتروني!
أستاذ الجامعة ـ غالبا ـ يسمع بالمناقشة عبر مجلس القسم، وربما يسمع عن مناقشة أخرى في بعض أقسام الكلية عبر الزملاء، لكن من النادر جدا أن يسمع بمناقشة رسالة علمية في كلية أخرى، وأندر من ذلك أن يسمع بمناقشة لموضوع علمي في جامعة أخرى إلا من خلال ما ينشره الطالب أو المشرف أو المناقشون ممن تجمعنا بهم مواقع التواصل الاجتماعية، ومن عاشر المستحيلات أن تسمع بمناقشة مبتعث، فإدارات العلاقات العامة مشغولة جدا كما ذكرت في المقالة السابقة، ولا وقت لديها لإعداد تقرير إعلامي رصين عن مناقشة.
حين تدخل إلى الموقع الالكتروني لجامعة ما ستدهشك صور مسؤوليها، هذا يرعى وهذا يصرح وذاك يوقع شراكة وهذا يصافح أمير المنطقة و..و..، ولا تثريب أن تنشر الجامعة أخبارها، لكن أين شخصية الجامعة العلمية؟ فتقول في نفسك سأجدها عبر تبويبات (الكليات)، لكن نصيبك أن تجد كلمة (عميد الكلية) والرؤية والرسالة وأخبار الكلية تتضمن بعض صور سعادته يصافح مدير الجامعة أو يلقي كلمة، ثم أقسام الكلية ولا تفاجأ حين تجد آخر تحديث للموقع قبل سنة أو أكثر، فجامعاتنا مشغولة جدا جدا ولا يمكنها أن توفر قاعدة بيانات بعناوين (رسائل الماجستير والدكتوراه) التي سجلها طلابها، فلو وفرت كل جامعة سعودية هذه القاعدة وحدثتها باستمرار، لأغنت الباحثين ووفرت عليهم الوقت والجهد في مراسلة مركز الملك فيصل، ومركز جمعة الماجد وغيرهما من المراكز التي كونت شخصية علمية لم تكونها الجامعات العملاقة.
اليوم ـ غالبا ـ تناقش رسائل الماجستير والدكتوراه في قاعات صغيرة بالكاد تستوعب بعض أعضاء هيئة التدريس وأقارب وأصدقاء الطالب الذين يتولون التغطية الإعلامية المصورة للذكرى، والقاعة تخلو من أي حضور إعلامي، فالحدث أصبح اعتياديا لا قيمة له، وربما سأكون (معقدا) حين أتمنى لو أجبر كل أعضاء هيئة التدريس في القسم على الأقل على حضور المناقشة، وأجبر كل طالب على وشك التخرج أن يحضر المناقشة؛ لنبني في ذهنيته تصورا لماهية الرسالة العلمية، وكيفية المناقشة على الأقل، ونحرك في أعماقه التفكير في ترقيه العلمي مستقبلا.
من جهة أخرى فالأساتذة ينجزون أبحاثا كثيرة، والعديد من الدراسات في كل التخصصات؛ لأنها شرط أساسي في ترقية عضو هيئة التدريس، لكن أين تلك البحوث والدراسات؟ وجل ما يتداوله الناس اليوم دراسات غربية، ولو تغاضينا عن تداول الناس، فأعضاء هيئة التدريس داخل القسم الواحد غالبا لا يعلم الواحد منهم ماذا أنتج زميله من بحوث ودراسات وكتب، إلا مصادفة أو عبر حديث شخصي، فالندوات العلمية نادرة جدا وغالبا تكون في محاور وموضوعات عامة، والإعلام الداخلي منعدم وإن وجد فهو صوري تلميعي غالبا لا يحمل قيمة علمية.
إنها مأساة حقيقيةأن تكون البيئة الجامعية ضعيفة علميا، وأن تكون الجامعات مجرد (مدارس كبيرة) جداول وقاعات، لا يحس المجتمع لعلميتها ركزا، طلاب يهرولون بين قاعات الدرس وقليل منهم إلى الأنشطة، ومكتبات ضخمة خاوية على عروشها، وأساتذة لا ينتظمون في مجاميع بحثية، ولا تجمعهم مجالس وحلقات نقاش علمية تبرز شخصياتهم البحثية، وتدفعهم إلى المزيد.
كل هذه المآسي العلمية لأن الجامعات أهملت الجانب العلمي، واهتمت بالشكليات، وسعى بعض مسؤوليها إلى مراتب الوجاهة الاجتماعية، تغذي (ثقافة المنصب الاجتماعية) ـ التي كتبت عنها سابقا ـ مسعاهم إلى تكريس ذواتهم وتلميع شخوصهم، فغاب السمت العلمي للجامعة، وانحرفت شخصيتها لتصبح مجرد مؤسسة عادية، يؤثر فيها المجتمع ولا تؤثر فيه، ولعل غياب الشخصية العلمية للجامعة هو المسؤول الأول عن مشاهد محبطة نرى طلابنا عليها، سواء في الهيئة، أم ارتياد الطالب الجامعة لا يحمل إلا جواله ومفاتيح سيارته، أم اللغة التي يتحدثون بها فيما بينهم، أو يتحدثون بها إلى أساتذتهم، أم عبر اهتماماتهم المبثوثة عبر مواقع التواصل الاجتماعية. وللحديث بقية.
ahmad_helali@
أستاذ الجامعة ـ غالبا ـ يسمع بالمناقشة عبر مجلس القسم، وربما يسمع عن مناقشة أخرى في بعض أقسام الكلية عبر الزملاء، لكن من النادر جدا أن يسمع بمناقشة رسالة علمية في كلية أخرى، وأندر من ذلك أن يسمع بمناقشة لموضوع علمي في جامعة أخرى إلا من خلال ما ينشره الطالب أو المشرف أو المناقشون ممن تجمعنا بهم مواقع التواصل الاجتماعية، ومن عاشر المستحيلات أن تسمع بمناقشة مبتعث، فإدارات العلاقات العامة مشغولة جدا كما ذكرت في المقالة السابقة، ولا وقت لديها لإعداد تقرير إعلامي رصين عن مناقشة.
حين تدخل إلى الموقع الالكتروني لجامعة ما ستدهشك صور مسؤوليها، هذا يرعى وهذا يصرح وذاك يوقع شراكة وهذا يصافح أمير المنطقة و..و..، ولا تثريب أن تنشر الجامعة أخبارها، لكن أين شخصية الجامعة العلمية؟ فتقول في نفسك سأجدها عبر تبويبات (الكليات)، لكن نصيبك أن تجد كلمة (عميد الكلية) والرؤية والرسالة وأخبار الكلية تتضمن بعض صور سعادته يصافح مدير الجامعة أو يلقي كلمة، ثم أقسام الكلية ولا تفاجأ حين تجد آخر تحديث للموقع قبل سنة أو أكثر، فجامعاتنا مشغولة جدا جدا ولا يمكنها أن توفر قاعدة بيانات بعناوين (رسائل الماجستير والدكتوراه) التي سجلها طلابها، فلو وفرت كل جامعة سعودية هذه القاعدة وحدثتها باستمرار، لأغنت الباحثين ووفرت عليهم الوقت والجهد في مراسلة مركز الملك فيصل، ومركز جمعة الماجد وغيرهما من المراكز التي كونت شخصية علمية لم تكونها الجامعات العملاقة.
اليوم ـ غالبا ـ تناقش رسائل الماجستير والدكتوراه في قاعات صغيرة بالكاد تستوعب بعض أعضاء هيئة التدريس وأقارب وأصدقاء الطالب الذين يتولون التغطية الإعلامية المصورة للذكرى، والقاعة تخلو من أي حضور إعلامي، فالحدث أصبح اعتياديا لا قيمة له، وربما سأكون (معقدا) حين أتمنى لو أجبر كل أعضاء هيئة التدريس في القسم على الأقل على حضور المناقشة، وأجبر كل طالب على وشك التخرج أن يحضر المناقشة؛ لنبني في ذهنيته تصورا لماهية الرسالة العلمية، وكيفية المناقشة على الأقل، ونحرك في أعماقه التفكير في ترقيه العلمي مستقبلا.
من جهة أخرى فالأساتذة ينجزون أبحاثا كثيرة، والعديد من الدراسات في كل التخصصات؛ لأنها شرط أساسي في ترقية عضو هيئة التدريس، لكن أين تلك البحوث والدراسات؟ وجل ما يتداوله الناس اليوم دراسات غربية، ولو تغاضينا عن تداول الناس، فأعضاء هيئة التدريس داخل القسم الواحد غالبا لا يعلم الواحد منهم ماذا أنتج زميله من بحوث ودراسات وكتب، إلا مصادفة أو عبر حديث شخصي، فالندوات العلمية نادرة جدا وغالبا تكون في محاور وموضوعات عامة، والإعلام الداخلي منعدم وإن وجد فهو صوري تلميعي غالبا لا يحمل قيمة علمية.
إنها مأساة حقيقيةأن تكون البيئة الجامعية ضعيفة علميا، وأن تكون الجامعات مجرد (مدارس كبيرة) جداول وقاعات، لا يحس المجتمع لعلميتها ركزا، طلاب يهرولون بين قاعات الدرس وقليل منهم إلى الأنشطة، ومكتبات ضخمة خاوية على عروشها، وأساتذة لا ينتظمون في مجاميع بحثية، ولا تجمعهم مجالس وحلقات نقاش علمية تبرز شخصياتهم البحثية، وتدفعهم إلى المزيد.
كل هذه المآسي العلمية لأن الجامعات أهملت الجانب العلمي، واهتمت بالشكليات، وسعى بعض مسؤوليها إلى مراتب الوجاهة الاجتماعية، تغذي (ثقافة المنصب الاجتماعية) ـ التي كتبت عنها سابقا ـ مسعاهم إلى تكريس ذواتهم وتلميع شخوصهم، فغاب السمت العلمي للجامعة، وانحرفت شخصيتها لتصبح مجرد مؤسسة عادية، يؤثر فيها المجتمع ولا تؤثر فيه، ولعل غياب الشخصية العلمية للجامعة هو المسؤول الأول عن مشاهد محبطة نرى طلابنا عليها، سواء في الهيئة، أم ارتياد الطالب الجامعة لا يحمل إلا جواله ومفاتيح سيارته، أم اللغة التي يتحدثون بها فيما بينهم، أو يتحدثون بها إلى أساتذتهم، أم عبر اهتماماتهم المبثوثة عبر مواقع التواصل الاجتماعية. وللحديث بقية.
ahmad_helali@