صلاح صالح معمار

العقل الممتد المعطل!

الاحد - 30 ديسمبر 2018

Sun - 30 Dec 2018

لقد أصبحت هواتفنا الذكية تعمل كعقول ممتدة، استنادا إلى نظرية «العقل الممتد» التي أطلقها كل من آندي كلارك ودافيد كالمرز، حيث اعتبرا أن الأجهزة الموجودة من حولنا بدأت في التحول من كونها أدوات مساعدة إلى كونها أجزاء من عقولنا وأجسادنا. ويعتبران أن تحويل بعض وظائف المخ إلى الأجهزة الذكية يخلق ارتباطا لا يمكن الاستهانة به، لأنها تغلغلت في كل تفاصيل حياتنا، من حفظ أرقام الهواتف والفيديو والصور وجدولة المواعيد ومساعدتنا في تحديد الأماكن وحفظها على الخرائط، وغيرها من التطبيقات التي أصبحت بديلا لوظائف حيوية كان يقوم بها العقل البشري قبل أن يقرر الاستغناء عن القيام بتلك الوظائف وإحالتها إلى الأجهزة الذكية وكأنها جزء لا يتجزأ منه.

نظرية العقل الممتد تحدثت عن التأثيرات الخارجية للبيئة، وأثرها على العقل الذي ليس محدودا بالجمجمة، بل للبيئة تأثير جذري على عملياته العقلية، لأن العلاقة بين العقل والبيئة علاقة تكاملية ممتدة للعالم الخارجي. والعقلية الممتدة للعالم الخارجي للأسف لم تقف عند الأجهزة الذكية، بل وصل امتدادها ليشمل ثلاثة مجالات أخرى تقوم مقام عقولنا.

01. البشر:

كما اتضح لنا أن العقلية الممتدة هي عقلية اعتمادية بشكل كبير، لذا نجد البعض يعتمد على غيره بشكل كلي، سواء في بحث يكتبه أو درس يحضره أو واجب مطلوب منه أو مشكلة تقع له أو مهمة مطلوب إنجازها! حيث يقوم بتسخير السيولة المالية التي لديه لتسخير جميع البشر لخدمته وللقيام بالمطلوب منه نيابة عنه. وبهذا الفعل هو يعطل عقله تماما ويسلمه لغيره، وغيره يقوم بجميع الوظائف الحيوية المطلوب عملها من دماغه فيتحول عقله إلى عقل ممتد معتمد بشكل كلي على الآخرين، ولا يستطيع القيام بأي دور دون الاعتماد الكلي عليهم.

02. الخرافة:

العقل المستسلم للخرافة وأهلها هو عقل ممتد جعل الخرافة تسيطر عليه! عقلية بنت أحلامها بناء على رأي مفسري الأحلام، وقراراتها بناء على كهنة الأبراج، وأحكامها بناء على اجتهادات باعة تحليل الشخصيات، ومصيرها بناء على قراءة أهل الكف والفنجان. ومع الوقت تتحول هذه العقلية إلى عقلية ممتدة معطلة تسيطر عليها الخرافة وأهلها، ولا تتجرأ على محاكمة ونقد ما يأتون به.

03. الموروث: تعظيم شأن الموروث والعادات والتقاليد والحكم عليها أنها خط أحمر غير قابلة للنقاش، وتقديسها والوصول بها إلى مرحلة قد توازي قدسية القرآن الكريم هو أمر غير مقبول جعلنا بعقول ممتدة معطلة! لأنها جعلت عقولنا في مرحلة ارتخاء مستمر، فجميع الموروث مقبول حتى لو كان مصدره مخبولا أو منافيا للمعقول أو بلا معنى أو مدلول فتحول العقل إلى مشلول. العقلية الممتدة المعطلة رفعت مستوى الموروث إلى مستوى الدين وظنت أنه صالح لكل زمان ومكان دون تحديث أو تطوير حتى قام الموروث مقام العقل.

S_Meemar@