عبدالله الأعرج

التغيير.. وصفة الحكيم الأزلية!

الاحد - 30 ديسمبر 2018

Sun - 30 Dec 2018

قبل أكثر من 1200 عام أنشد محمد بن إدريس (الإمام الشافعي):

ألم تر أن ركود الماء يفسده

إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

وحينما ينشد الإمام ببيت كهذا مستشهدا بحركة مادة الحياة الأولى الماء فهو بلا شك يعي قيمة التغيير ومكانة التحول وأهمية التبديل لتبقى الحياة في كامل عافيتها، ولكي تتوارى الرتابة - ذلك الداء العضال - بعيدا فيظهر الوجه المشرق لكل شيء في الحياة نتيجة للتغيير والحركة والانتقال!

وما زال التغيير عنصرا ثقيل الوزن والقدر في معادلة الحياة. به ينشط الأفراد وتبدع المنظمات ويتوالى إبداع المجتمعات فتغدو الحياة قصرا نيرا بعد أن كانت كوخا مظلما!

وفي حياة الأفراد يصبح المرء قليل حال وحيلة حينما تسير حياته على نمط واحد من الصباح إلى المبات. فحينما يستيقظ أحدهم صباحا ثم يغادر إلى عمله ويمارس نفس الأدوار والفروض اليومية ليعود بعدها إلى بيته ويتخذ ذات السلوك من تناول طعامه ثم الاسترخاء والاستيقاظ مجددا والبقاء أمام التلفاز أو الجوال لما تبقى من نهاره، وأخيرا الذهاب للنوم، وهكذا دواليك، حينها يتحول الفرد إلى ماكينة بشرية صماء ذات عمر افتراضي محدد، وربما هاجمه ما يهاجم أي آلة من الأعطال ليكون هذا الفرد البائس بين إحدى السيئتين، إما الاعتلال (بمرض عضوي أو نفسي) والنهوض منه مجددا أو الخروج عن الخدمة بشكل كامل من خلال نبذ ونفور الجميع منه كأسرته وأقاربه ومجتمعه. ولو علم هذا الفرد المسكين أن إكسير الحياة (التغيير) بيده لما سمح لسيناريو بهذا القدر من البشاعة أن يحدث.

ذلك أن إجراءات حياتية بسيطة كممارسة رياضة خفيفة أو زيارة مكتبة عامة أو أخذ فرد أو مجموعة أصدقاء في رحلة غير مألوفة أو الاستمتاع بهواية قديمة نسيت في دهاليز الحياة وزحمة العمل أو الطيران إلى بلد ما والعودة بصيد وفير من الثقافة الجميلة والقصص المنعشة أو حتى أخذ إجازة قصيرة من العمل أو محاولة تعلم مهارة جديدة أو غير هذا، كفيلة بتغيير حياة الفرد إلى آفاق أرحب وإعادة ضخ سائل الحياة إلى شرايينه وأوردته لينعكس كل هذا على أدائه فيعود فردا منتجا متفائلا ممثلا للجانب الأخضر من الحياة والوجه المشرق من العيش.

التغيير يا رفاق هو فن كسر الجمود، وهو القيثارة التي حين يعزف بها أي أحد سوف يصفق له كل أحد! التغيير هو أن يعلم الفرد والجماعة والمنظمات أن الحياة بنيت على الديناميكية، وأن من يتجرأ على إسكات هذه السيمفونية فإنه ببساطة يعاند نواميس الكون ويبارز ثوابت العيش!

التغيير في الملبس والمأكل والعادات والاهتمامات للأفراد يعني نشوء حياة جديدة من أعماق هذا المخلوق الضعيف ليتحول إلى كائن عملاق يشع ما بداخله فيضيء الكون بأكمله من خلال إنجازاته وإبداعاته وإلهاماته.

التغيير في المنظمات بتجديد الأنظمة وتبديل التشريعات واستقطاب الكفاءات وتبادل الأدوار وتجديد الدماء، وتمكين الإدارات المعتبرة لا يقل قدرا كذلك عن التغيير في الأفراد ويخلق بدوره منظمات صحية تسابق في عجلة التنمية وتسارع في مسيرة النماء وتصنع أمة حية منتجة ذات وزن معتبر بين أمم الأرض بما تقدمه من خير للبشرية جمعاء.

التغيير CHANGE سيبقى قصة نجاح كل أحد مع نفسه وحديث كل منظمة قادرة مع ذاتها. التغيير لا يجب أن يوصف بأنه أسلوب حياة، بل هو كل الحياة!

dralaaraj@