حنان درويش عابد

معارض الكتب.. حدث يتعدى مجرد اقتناء كتاب

الاحد - 30 ديسمبر 2018

Sun - 30 Dec 2018

تقاس حضارة الأمم والشعوب بثقافتها وبأدواتها الثقافية التي تجعل منها منارة يستلهم منها الناس محليا وعالميا ما ينير دروبهم في الحياة، وما يضعهم على الطريق الصحيح في فهم الواقع، واستحضار دروس التاريخ، وفي تعزيز قدرتهم على رسم خارطة طريق لمستقبلهم، مستندين إلى إرثهم المحلي والإرث العالمي الذي يقدمه المفكرون ورواد الثقافة في شتى العلوم وفروعها المختلفة.

ولمعارض الكتاب دور حيوي في تعزيز الأدوار التي تلعبها الثقافة في حياة الشعوب والأمم، فهي فرصة ينتظرها محبو المطالعة، حيث تعد بالنسبة لهم منصة للتبادل المعرفي، والالتقاء بالكتاب، والاستفادة من مجموعة من المحاضرات التي يجري تنظيمها، ناهيك عن فرصة اقتناء كتب لا يباع كثير منها في المكتبات المحلية.

وتلعب معارض الكتاب دورا مهما في تعزيز الهوية الوطنية الثقافية، فهي نافذة للعالم للتعرف على الإنتاج الثقافي الوطني المحلي، وتمكين الكتاب المحليين من الالتقاء بدور النشر الإقليمية والدولية، وهي في ذات الإطار فرصة لالتقاء الكتاب القادمين من خلف الحدود بدور النشر المحلية لنشر إصداراتهم من الكتب، مما يجعل من معارض الكتاب نوعا من الكيانات التنظيمية المؤقتة التي تلعب دورا مهما في ربط الكتاب بعضهم ببعض في مدد محددة ولفترة وجيزة كل عام، كما تمثل هذه التظاهرة الثقافية التي تنظم بدعم حكومي قيمة أدبية مهمة للكتاب الذين يعقدون لقاءات لتوقيع كتبهم الجديدة.

وتعد معارض الكتاب نافذة أيضا لرجال الأعمال للتعرف على عالم الكتاب واستثماراته وفرصه الواعدة، وفهم أدبياته وخصائصه، بالإضافة إلى التعرف على فرص إنتاج الكتاب الالكتروني الذي أصبح جزءا رئيسا من عالم النشر اليوم محليا وعالميا، فمعارض الكتاب احتفالية كبرى تتعدى جمالياتها مظاهر الاحتفاء بالثقافة والمثقفين إلى تفاعل يؤكد أن الثقافة ليست فكرا جامدا منعزلا عن مصالح الإنسان الحياتية، بل هي في أرقى أدوراها تصبح داعمة لتطور الإنسان، ولتحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة في حياته.

وفي هذا السياق يأتي معرض جدة الدولي للكتاب في دورته الرابعة الحالية تحت شعار «الكتاب تسامح وسلام»، بمشاركة 400 دار نشر من 40 دولة، وبأكثر من 180 ألف عنوان كتاب في شتى مجالات المعرفة والعلوم والآداب والفنون، ليؤكد أن دور معارض الكتاب اليوم لا يقتصر على الجانب المعرفي التقليدي، فقد أصبحت وسيلة للترويج الاقتصادي والسياحي، حيث إن تقاطر المشاركين من بلدان مختلفة يمثل بشكل كبير إنعاشا للسياحة المحلية، وللاقتصاد المحلي الخاص، ولا يمكن أن يكون هناك سياحة أرقى من سياحة الفكر والثقافة بعد السياحة الدينية، فالدور الذي تلعبه الفعاليات الثقافية في الحراك السياحي المحلي غير تقليدي، وسياحة الثقافة والفكر لا تقتصر على التسلية، وإنما تتعدى إلى قيم إنسانية عالية ذات أبعاد أخلاقية ينحاز فيها الإنسان إلى فطرته التي تعزز في روحه ثقافة فهم الآخر، وقبول الآخر، وصناعة علاقات حضارية وثقافية بينية بين الأمم بغض النظر عن اختلافات اللغة والثقافة والدين.

ستظل معارض الكتاب إضاءة سنوية مهمة وضرورية وملحة، خاصة في ظل تراجع ثقافة القراءة بين أبناء الجيل الحالي، مما يفرض علينا جميعا دورا أكبر في دعم هذه الصناعة كضرورة ملحة لسد الفجوة المعرفية الحالية، ولمساعدة الجيل الحالي على الاستمتاع بقيم القراءة التي استمتعت بها الأجيال السابقة، والتي كان لها بالغ الأثر في تعزيز أصالة وفكر وريادة تلك الأجيال.

hananabid10@