عبدالله المزهر

بابا فوق الشجرة..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 26 ديسمبر 2018

Wed - 26 Dec 2018

جاري الملاصق لمنزلي مسيحي وقد نسيت أن أهنئه بالعيد، وقد بدا لي لوهلة أني غير متسامح مع الآخرين وأني على خطر عظيم، خارج من ملة التسامح وأضع قدمي الأولى على عتبة التشدد والغلظة.

أنبت نفسي كثيرا وحزنت قليلا، ثم تذكرت أني لم أهنئ جاري الآخر المسلم بعيد الأضحى المنصرم ولم يكن لضميري أي ردة فعل تجاه ذلك التجاهل.

لكن نفسي اللوامة لا زالت تصر على أني مذنب في حق جاري النصراني، وعلاقتي بنفسي اللوامة ليست على ما يرام هذه الأيام فلا نكاد نلتقي إلا لماما. ولم أرد أن أردها ـ أي نفسي اللوامة ـ وأحبطها في زيارتها التي لا تتكرر كثيرا. ثم إن مجرد تفكيري بأن هذين الجارين لديهما ديانتان مختلفتان يعني أني عنصري متشدد. يجب ألا يخطر هذا الأمر في بالي من الأساس.

تحدثت مع أسرتي في الأمر وقلت لا بد أن نصحح هذا الخطأ، وفكرت في ارتداء زي «بابا نويل» أو سانتا كلوز، كما يسميه الأخوة الكفار، ثم القفز فوق سور جاري ومفاجأته، لكن هذا الاقتراح لم يلق قبولا لدى عائلتي، إضافة إلى صعوبة الحصول على ملابس بابا نويل في متاجر الثقبة.

لكن الأشجار موجودة بكثرة في الشارع، والبحث عن شجرة مخروطية ملائمة لعيد الميلاد لن يكون صعبا كالحصول على ثياب سانتا، كنت سأخرج للبحث عن شجرة مناسبة لكي نقصها ونذهب بها أنا وأسرتي إلى جارنا ونعايده ونقول له في صوت عال «إن كانت قليلة فجمايلكم توفها، وإن كانها كثيرة فتستاهلون»، لكني بعد البحث وجدت أنهم لا يهدون بعضهم الأشجار في الأعياد، وأن منظري لن يكون لطيفا وأنا أشارك البلدية في قطع أشجار الشوارع ولذلك تراجعت عن الأمر.

هذا العيد انتهى ولكني لن أنسى في العيد القادم أن أشعل الأضواء واصنع «بابا نويل» وأقتل ديكا روميا وأسرق شجرة من الشارع أضعها في وسط منزلنا.

قد يقول قائل ـ جاهل بالطبع ـ إن التسامح لا يعني تبني آراء الآخرين ومعتقداتهم وتقليدهم، لأن هذا ليس تسامحا ولكنه انسلاخ وتبعية ودليل ضعف، وأن التسامح يعني ببساطة أن «تترك الآخرين وشأنهم»، لا أكثر ولا أقل، ولكني لن ألتفت لهذا الجاهل بالطبع، فأنا رجل ـ كما تعلمون ـ أحب أن يعرف الآخرون أني متحضر بما يكفي لكراهية نفسي ومحبة الآخرين.

وعلى أي حال..

التسامح هو الآخر مسألة انتقائية، ودعاة التسامح ـ أنا وأمثالي ـ هم أنفسهم بشحمهم ولحمهم وتسامحهم يؤيدون ويدعون إلى إبادة آخرين غير الآخرين الذين يدعون للتسامح معهم. وأظن أن التسامح في أبسط تعريفاته هو أن تكون مؤمنا معتقدا اعتقادا جازما أن الآخر على خطأ واضح فاضح، ولكنك تقرر أن هذا الخطأ لا يعنيك في شيء. أما حين تعتقد أن ذلك «الآخر» على صواب، فلا مكان لمصطلح التسامح أساسا. تتسامح معه على ماذا إذا كان ما يفعله صائبا؟!

agrni@