محمد علي العاوي

الجنادرية.. عزف على أوتار التراث

الأربعاء - 26 ديسمبر 2018

Wed - 26 Dec 2018

يعد المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» رافدا ثقافيا عالميا يتيح الفرصة للاطلاع على تاريخ وحضارة الإنسان العربي عموما والخليجي خاصة، فالمهرجان الذي ظل يشهد تطورا مستمرا منذ انطلاقته لم يقتصر دوره على التعريف بالثقافة والحضارة في المملكة فقط، بل امتد أثره ليشمل كل أرض شبه الجزيرة العربية.

ويدرك الجميع أن ملوك وقادة هذه البلاد أخذوا على عاتقهم مهمة الحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية والخليجية على حد سواء، وتولي الدولة أهمية خاصة لربط حاضر أجيالها المشرق بماضيهم العريق، والتمسك بالجذور حيث الأصالة والإرث العربي الضارب بجذوره في عمق التاريخ الإنساني، والمملكة عندما تتمسك بتراثها وجذورها، فإنها في الوقت نفسه تتعلق بمعطيات الحاضر، وتستصحب العراقة والأصالة في آن واحد، في ربط مدهش يثير الإعجاب، مؤكدة أن من لا ماضي عريقا له لا يمكنه إيجاد حاضر مقنع أو مستقبل مشرق، وأن استشراف آفاق التطور لا يعني الانسلاخ من الإرث. ومما يمتاز به المهرجان أنه في الوقت الذي يتمسك فيه بالخصوصية الثقافية والتفرد الحضاري فإنه لا يدعم الانكفاء على الذات والإعراض عما لدى الآخر من حضارة وثقافة وتراث، لذلك فإن اختيار دولة لتكون ضيف شرف في كل دورة يتيح فرصة مناسبة للاطلاع على العالم من حولنا، بما يمثل دعوة عملية للتعايش والتسامح ونبذ كل دعوات العنصرية والإقصاء ورفض الآخر.

ولا تقتصر الفوائد التي يوفرها المهرجان على الزوار من خارج المملكة، بل إن السعوديين هم أكثر الرابحين، حيث يمكنهم رؤية التراث الثقافي والحضاري الخاص بكل مناطق بلادهم، والتعرف على أزيائها التقليدية ورقصاتها الفلكلورية ومأكولاتها الشعبية. والاطلاع على مجال الحرف اليدوية ورواد الأعمال المشتغلين فيه، والتبضع من الأماكن المخصصة للمنتجات الفنية المتنوعة، والتجول في المعارض الفنية والتشكيلية في الأجنحة المشاركة، إضافة إلى الالتقاء بالأدباء والفنانين الذين يمثلون مناطقهم ويشاركون بفعاليات ثقافية في أجنحتها، مما يمثل فرصة مواتية لبناء شراكات مهنية واجتماعية معهم وتوجيه الدعوة لهم لفعاليات مستقبلية. والأهم من ذلك هو أن المهرجان يعطي صورة حقيقية لضيوف المملكة وزوارها عن مسيرة النهضة والازدهار والتنمية في بلاد الحرمين، والتطور الذي تنعم به، وما حققته من تطور وما تحظى به من بنية تحتية متكاملة، بما يمكن أن يسهم في تحفيز وجذب المستثمرين الأجانب لدخول الأسواق السعودية.

والمتابع لمسيرة المهرجان منذ انطلاق دورته الأولى يشاهد تطورا واضحا ومستمرا كل عام، ويرى استحداث معارض متجددة وفعاليات مختلفة، ليبقى بحق شاهد عيان لقصص كفاح ونجاح وتطور الإنسان السعودي في كل الميادين وبمختلف الأبعاد. فإلى جانب الاهتمام بالعادات والتقاليد والتراث، هناك فعاليات أدبية وثقافية وفكرية، تشارك فيها شخصيات لامعة وأسماء كبيرة من داخل المملكة وخارجها، حيث تطرح القضايا على بساط البحث، وتدور حلقات النقاش والحوار بين ضيوف المهرجان المهتمين بالشأن الثقافي من كل دول العالم، كما تقام الأمسيات الشعرية التي يتبارى فيها الشعراء على تقديم إنتاجهم، ونتيجة لكل ذلك فقد أصبح المهرجان مقصدا لكثير من المبدعين من كل أنحاء الوطن العربي، وبات في المرتبة الأولى على مستوى المهرجانات العربية، لدرجة دعت البعض للمطالبة بأن يكون مستمرا على مدار العام حتى تعم فائدته ويزداد أثره.

هكذا تجدد مملكتنا الحبيبة العزم الأكيد على أن تبقى ثقافة الموروث بكل تنوعاته هي الأصل والقاعدة التي ننطلق منها إلى تطوير بلادنا وتحديثها ومسايرة العالم الخارجي من حولنا، دون التخلي عن ثوابتنا وتقاليدنا وقيمنا، وأن الحرص على كل ما نعتز به من قيم عربية وإسلامية يمثل أساس هويتنا، وأن نعيد التأكيد لمن يعانون من الاستلاب الثقافي أن التحولات الإيجابية التي يمر بها مجتمعنا لا تعني الانسلاخ من الواقع أو التنكر للهوية الثقافية الإسلامية والعربية، أو الانقلاب على القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، وتذويب خصوصيتنا والتخلي عنها، فما نملكه من قيم إسلامية، وما نحمله من أخلاق عربية أصيلة هو أكثر ما نعتز به ونحرص على المحافظة عليه.

drmawi@