أحمد الهلالي

شخصية الجامعات في الإعلام!

الثلاثاء - 25 ديسمبر 2018

Tue - 25 Dec 2018

الإعلام حاجة أساسية للمؤسسات، ينقل رسالتها إلى المجتمع، ويبرز جهودها، وينقدها حين تخفق أو تخطئ، وهذه المعادلة قد تنقلب حين يختل تعاطي المؤسسة معها، والمؤسسة الذكية هي التي تجعل الإعلام يسعى إليها، وتتخذه وسيلة لا غاية، فالمنجزات الحقيقية تجبر الإعلام على السعي إلى المؤسسة وتداول منجزاتها، وهذا ينطبق على كل المؤسسات، أما الجامعات فالقضية مختلفة نوعا ما.

جامعاتنا يفترض أن تكون سيدة الإعلام، فهي بيت الخبرة الأول فيه؛ لأن الإعلاميين تخرجوا في كلياتها وأقسامها، لكن بعضها ربما تجهل هذه الحقيقة، فنشاهدها تزج بنفسها في أتون التسويق الإعلامي، دون مبرر أو منجز يستحق الضجة الإعلامية، وبعضها يستغل الأحداث الاجتماعية ليركب الموجة اللحظية بمبادرات تقليدية مبتذلة، فيغيب سمت المؤسساتية من أجل لحظة البريق التي يرجوها مسؤولوها، مع أنها تعاني مشاكل جمة، وسيأتيها الإعلام سعيا لو استطاعت حل تلك المعضلات والتحديات والمشاكل المزمنة.

المؤسف أن بعض الجامعات لا تعنى بإعلامها الداخلي، أخذتها مجانية مواقع التواصل الاجتماعية عن منظومتها الإعلامية الداخلية، فلا تجد صحيفة نوعية أو إذاعة داخلية للجامعة، تتعرف من خلالها على الجامعة، ومنسوبيها وطلابها، حتى صار من النادر أن تعرف أستاذا أو طالبا مميزا في قسم أو كلية غير التي تنتسب إليها، فما بالك بشطر الطالبات، فالأمر مقتصر على إدارة العلاقات العامة والإعلام، وهي مشغولة جدا بأخبار الجامعة وقياداتها غالبا، وقوائم الإعلاميين خارج الجامعة بين ثنائية (معانا والا علينا)، وأحيانا تمارس مركزية إعلامية فتمنع حتى الكليات والأقسام في بعض الجامعات من التحدث عن منجزاتها وفعالياتها، كما شكا بعض الأصدقاء.

بعض الجامعات أيضا تمارس تهميشا مريبا لعضو هيئة التدريس، فقد مرت بي إعلانات عن فعاليات وندوات لجامعة ما، الإعلان يحوي عنوان المحاضرات وتاريخها ومكانها، لكنه يخلو من اسم المحاضر في الفعالية، فالمكان والزمان أهم من الإنسان، في حين أن الأمر يختلف لو كان المحاضر من قيادات الجامعة، وهذا يؤكد قصر نظر المعلن، فتغييب خبرات الجامعة وقاماتها عن الجهات الأخرى التي تحتاج إلى الاستعانة بهم في برامجها وفعالياتها، هو تغييب للجامعة ذاتها، فأينما حل عضو هيئة التدريس سيعرّف نفسه بالانتساب إلى جامعته.

من المؤسف ـ أيضا ـ أن تصور بعض الجامعات ذاتها مؤسسات عادية عبر الإعلام، تحاكي السائد والممارسات العامة للمؤسسات الأخرى، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه لها سمت مختلف، وشخصية مائزة تؤثر إيجابا في مؤسسات المجتمع الأخرى، فالملاحظ انتشار ثقافة إعلامية سالبة في جامعاتنا، معيارها المنصب لا العلمية وقيمة المحتوى، فأتذكر عند اطلاعي على صحيفة جامعية داخلية لإحدى الجامعات لا تتجاوز ست صفحات أنها حوت 13 صورة لمدير الجامعة، بعضها منفرد وبعضها مع الحاشية، وعددا قليلا جدا من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، أما إعلانات تكليف أعضاء هيئة التدريس بمهام إدارية فقضية محيرة حين تتصدره عبارات (تهنئ وتبارك) و(ثقة مدير الجامعة)!

داخل جامعاتنا قامات علمية مضيئة؛ علماء يبتلعهم ظلام القاعات ومكاتبهم الصغيرة، لا يعرفهم المجتمع، وهم زاهدون في الظهور والأضواء، زادت ممارسات أحزاب القيادات من عزلتهم وصمتهم، وحرم المجتمع من عقولهم النيرة؛ لأن الجامعات تمارس ثقافة بائسة بائدة تعتمد المهمة الإدارية (المنصب) معيارا، وقيمة مضافة للمرء، وهذه الثقافة سلبت الكثيرين قدرتهم على التعايش مع واقعهم بعد الاستقالة أو الإعفاء، فعدد كبير من العمداء والوكلاء يتوارون بعد خروجهم من بوتقة الوهج (المزعومة)!

لا بد أن تتغير نظرة الجامعات إلى ذاتها، فهي ليست مؤسسات عادية، بل مؤسسات تحوي طاقات عظيمة لو أحسنت استثمارها لكانت على غير ما هي عليه اليوم، ولن تحسن استثمارها إلا إن تخلصت من (ثقافة الحاشية وأوهام المنصب) وأدرك القائمون على شؤونها وجوب تأثيرها الإيجابي المتقدم في المجتمع، لا أن تكون نسخة من الثقافة السائدة، ومن أهم مفاتيح تغيير هذه النظرة ألا تتعاطى الجامعات مع الإعلام كأي مؤسسة أخرى، بل ننتظر منها صناعة إعلامية مائزة تقوم على الشفافية والمصداقية والعلمية والجرأة وتقبل النقد، وتبتعد عن التسويق، وتلميع الشخوص، فهذا لا يليق بمؤسسات ما يزال المجتمع ينتظر منها الكثير الكثير.

ستتبع هذه المقالة أخرى تحاول كشف جانب آخر من شخصية الجامعات.

ahmad_helali@