عبدالله الأعرج

أنواع الموظفين والوظائف!

الاحد - 23 ديسمبر 2018

Sun - 23 Dec 2018

في بيئات العمل تعرض للإنسان رؤى مختلفة، ويشاهد بأم عينه أنماطا متعددة من الموظفين، ويتأكد يوما بعد يوم أن هذه الأنماط تحتاج إلى تعامل مختلف، وفقا لتأثر العمل إيجابا أو سلبا بسلوكياتهم، فمن أسوأ الموظفين في بيئات العمل ذلك الشخص الذي لا يعمل ولا يريد لغيره أن يعمل، وهذا النوع من الموظفين يتميز عادة بكثرة التشكي والتذمر والتأكيد أن مقر العمل غير صالح، وأن الإدارة والأنظمة والمكان جميعا غير مناسبة، بل واستصلاحها أمر مستحيل على المدى القريب والمتوسط والبعيد. وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل إن نشر هذا الحس التشاؤمي يتعدى هذا الموظف ليعانق جلساءه، فتراهم في التشاؤم سواء، وهم أشبه بلاعبي كرة تنس الطاولة يتقاذفون كرة الإحباط فيما بينهم.

هذا النوع مع الأسف لا يقف عند حدود الإحباط، وبالتالي عدم العمل، بل يتعدى ضرره نفسه ليصل إلى العاملين داخل ذات المنظمة، فتراه عادة يحوم بين المكاتب ناشرا هذا الاعتلال الوظيفي، فتسمعه تارة يقلل من قيمة الإنجاز ويحث العاملين على تخفيف إيقاع الإنتاج ويذكر كل من يرى أن غنم الراعي فقط اثنتان (إحداهما قائمة والأخرى نائمة)!

النوع الثاني في بيئات العمل قيادي لا يعمل ويريد غيره أن يعمل، وهذا النوع من القيادات يمكن وصفه بالمثل الشعبي (وجهه مغسول بمرقه)، حيث إنه لا يوجد مبرر عمل أخلاقي يجعل حضرته يستنفر مرؤوسيه ليباشروا كل الأعمال ويقدموها في أوقاتها، بينما تمكث المعاملات في مكتبه لوقت طويل كأنها تذكر المراجع بأغنية كوكب الشرق (أتصور حالي أيام وليالي) أو تسوف القرارات بسببه إلى مدد تعطل مصالح العباد وتضر بالمستفيدين لا لشيء سوى لكسله وتقاعسه وسوء صنيعه.

النوع الثالث بيئة عمل يستوي فيها العاملون والخاملون، هذه البيئة تشبه الأكل غير المملح الذي لا يستلذ به الطاعمون ولا يعول عليه الطابخون رغم جمال منظره وحسن تقديمه، لذا فإن من أعظم الابتلاءات المهنية أن يوجد موظف مخلص وعملي في مكان لا يقدر المخلصين ولا يهبهم امتيازات وظيفية تكافئ هذا التفرد والإبداع مقارنة بباقي الموظفين الأقل إنجازا وعملا وإبداعا. بيئة من هذا النوع بيئة طاردة ليس للإبداع فحسب، بل للإنسان بشحمه ولحمه أيضا، ذلك لأن الموظف بشر قبل كل شيء يحتاج للتقدير والاحترام والإثابة وإظهار التفرد والتميز على الأنداد والأقران، ولو كان (ماسلو) صاحب هرم الاحتياجات الإنسانية الشهير موجودا في بعض بيئات العمل ورأى غياب التقدير من البعض لشق جيبه وناح وصاح حتى يفقد صوابه.

ولأن «الحلا» يأتي أخيرا ليبقى آخر عهد الضيف بالطعام فإن نوعا فاخرا من بيئات العمل ما زال موجودا. هذه البيئة جمعت بين تقدير العاملين وأمانة القيادات وتفانيهم وإيجابية الموظفين وحرصهم. بيئة من هذا النوع (جنة الله في أرضه) ومهوى أفئدة العاملين وراحتهم. أذكر الآن أن أحدهم سمى نفسه على مواقع التواصل الاجتماعية وما زال باسم شركته، وما هذا بالتأكيد إلا لحبه لعمله، وأذكر ثانيا لا ينقطع حديثه في كل مجلس عام أو خاص عن إنجاز منظمته، وما هذا قطعا إلا لجنونه بوظيفته وما أجمله من جنون! وثالث ورابع وخامس تقاسموا مع الناس أجمل الحكايات حول أعمالهم وأعذب القصص عن مديريهم، وما كان لكل هذا أن يكون لولا عشقهم لأعمالهم ونجاح منظماتهم في استخراج أجمل ما لديهم.

لكل الموظفين أقول: قد تقضي أنت وزملاؤك في مقر أعمالكم ساعات أكثر مما تقضونه في بيوتكم، وربما كان مقر العمل (بيتكم الأول)، لذا أتمنى أن نحسن جميعا تأثيث مقار أعمالنا بحسن الأخلاق واحترام الذوات وسرعة الإنجاز، وتقدير المخلصين وإقصاء المنغصين والمتشائمين، وتشجيع المتفائلين وإبراز الموهوبين وأن نحسن في كل شيء، إن الله يحب المحسنين.