جمال سلات

السودان.. ثورة جياع أم أكثر؟!

السبت - 22 ديسمبر 2018

Sat - 22 Dec 2018

شهدت المنطقة العربية في السنوات الثماني الأخيرة تغيرات جوهرية، وأصيبت بصدوع كبيرة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هيأت البيئة العامة في أغلب البلدان العربية للانفجار في أي لحظة.

لكن القاسم المشترك بين معظم الدول التي حدثت فيها ثورات أو حركات احتجاجية عنيفة هي الحالة الاقتصادية المتردية وانتشار الفساد والبطالة، والانفجار السكاني الكبير، والشح في الحياة السياسية، حيث أصبحت هذه البيئات كومة قش، وتكفي شرارة صغيرة جدا لتندلع النيران في البنية الأساسية لمختلف الطبقات المكونة للمجتمعات بحسب الطبيعة الخاصة في كل بلد.

وعندما ننظر إلى بداية أحداث ما يسمى الربيع العربي لم تكن طموحات من خرجوا في التظاهرات - في البداية - تتجاوز المطالب الاقتصادية ومكافحة الفساد والمفسدين وتوفير فرص العمل، وبكل ما يتعلق بالناحية الاقتصادية، مع بعض المطالبات بالإصلاح السياسي في تلك البلدان، ولكن مع اختلاف تعامل الحكومات مع المتظاهرين ارتفع سقف المطالبات، وظهرت لنا نتائج مختلفة هي الآن واضحة للجميع، إذ لا يمكننا أن نقارن مثلا نتائج الأحداث في تونس ومصر بنظيرتها في ليبيا وسوريا.

وما يحدث الآن في السودان لا يخرج عن الدائرة السابقة، حيث نلحظ في السنوات الأخيرة، خاصة في العام الحالي، أزمة اقتصادية واضحة ألقت بظلالها على المجتمع السوداني، إذ شهدت الأشهر الأخيرة تراجع الجنيه السوداني، بل وتدهوره في سعر الصرف أمام الدولار، إضافة إلى رفع الدعم عن المحروقات والخبز، مما أدى إلى تضخم كبير حفر في جسد السودانيين حتى وصل إلى العظم، ناهيك عن المشاكل الاقتصادية المتراكمة والفساد المستشري منذ عقود في الهيكلية الأساسية للحكومات السودانية المتعاقبة. ولا ننسى أيضا قاصمة الظهر في انفصال جنوب السودان ومعه معظم الثروات الباطنية.

هذا كله أدى إلى عطب عام لم يعد من الممكن إصلاحه بالأدوات والطرق وحتى الشخصيات الحالية بالحكومة السودانية، كما أن الحياة السياسية المتكلسة وعدم الإصغاء إلى أي حلول كانت تطرح من شخصيات سياسية أو اقتصادية معارضة أو غير معارضة أديا إلى عقم سياسي واقتصادي عام.

هذا كله جعل القش يابسا بما فيه الكفاية، فالتظاهرات التي خرجت أخيرا بدأت تنتشر في العاصمة الخرطوم وأم درمان، وستصل إلى كل المناطق، ولا يبدو أن تعامل الحكومة والشرطة يتسم بالتوازن اللازم لاحتواء المتظاهرين ومطالباتهم المحقة، بدليل اتهام الحكومة السودانية لـ «مندسين» بحرف التظاهرات السلمية عن مسارها، وهذا ينبئ بالطريقة التي ستتعامل بها الحكومة في الأيام والأسابيع المقبلة.

يمكننا القول إننا على أعتاب كارثة ستحل بالسودان والمنطقة إن لم يتم التعامل مع الأحداث الأخيرة بحلول مناسبة لتلافي مسلسل دراماتيكي متتابع شاهدناه في أكثر من دولة في أحداث ما يسمى الربيع العربي.

والحل يكمن في إجراءات إسعافية وحقيقية تتطلب التضحية والشجاعة من قبل الحكومة السودانية أولا، ولا يمكن ذلك إلا بحل الحكومة الحالية وحتى الدعوة إلى انتخابات رئاسية، والإتيان بحكومة تكنوقراط تنفذ حلولا إنعاشية يلمسها الشارع السوداني سريعا وسريعا جدا. بغير ذلك لا يمكن إقناع المتظاهرين بالعودة إلى منازلهم، وبالتالي تلافي سيناريو مؤلم تكرر كثيرا في المنطقة، وما زالت آثاره شاهدة تعيش بيننا.

فهل سنرى الحل العقلاني الذي سيجنب السودان والسودانيين والمنطقة نكبة جديدة لن تؤدي إلا إلى التشريد والخراب وعدم الاستقرار في منطقتنا والشرق الأوسط؟!