محمد أحمد بابا

رصيف البساطة وعتبة الحياة

السبت - 22 ديسمبر 2018

Sat - 22 Dec 2018

ترك مركبته الفارهة ودلف إلى رصيف العمال والمساكين وعامة الناس وحده دون مرافقين، فوجد نفسه مضطرا للتحرر من متابعة هندامه والتخلي عن طريقته في الخوف على اتساخ نعله، هنا عرف أن رصيف البساطة تحرر وحرية وانطلاق عنان لكل الحواس، من لم يجرب كلاما بسيطا عاش أبكم الحديث، ومن لم يجلس مع قوم بسطاء فاته من العزة الثريا، ومن لم يلبس بسيطا شح عليه إحرام لحج أو عمرة، ومن لم يحاول أخذ الأمور ببساطة تعاط عظمت في عينه الصغائر.

البساطة رصيف ليس كالأرصفة، من ركبه احتفلت به القلوب دون جواز سفر، وأنصتت له الأسماع دون مكدرات، وحاز تقديرا لا ينقطع حتى لو مات، فلرصيف البساطة ماهية الاحتواء لكل شيء وأي شيء في كل اتجاه وأي وقت (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وقوم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم و(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

البسيط غير معقد التركيب، فهمه سهل وهضمه أسهل والتعامل معه يسير، وأجمل بحور الشعر البسيط، والبسط بالنسبة للمقام في الكسور الاعتيادية محدد قيمة وله مرونة التغيير، ودرج أهل الحجاز على أن (البساط أحمدي) في توصيف لقاعدة نبوية قريبة من ذلك، قالها صلى الله عليه وسلم يوم النحر «افعل ولا حرج»، والدين الإسلامي عالي الهمة بالغ الخيرية فائق التأصيل، لكنه دين وسط لأمة وسط في تعامل وسط (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج).

وفي رصيف البساطة يجتمع القوي والضعيف وترى الغني بجانب المسكين والقائد في ضيافة الراعي، والناس أخلاط صحبة ورواد سعادة مصدرها (تبسمك في وجه أخيك صدقة) ألم تر نزارا قال: ووجها بسيطا كان وجهي المفضلا. وبساطة العيش في الصحة حافظة من الداء، وبساطة الإحساس في حسن الظن بالناس حافظة من المشكلات النفسية، وحين يركب الناس رصيف البساطة ثقافة حياة تسهل كل التفاعلات المجتمعية والإنسانية بعيدا عن فخر بروتوكولات ولا تقاليد معقدات ولا أعراف معجّزات، يسهل أن يدعو لبيته الحارسُ شيخَ القبيلة، ويحضر الوزير زواج ابن السائق، ويزور قائد الشرطة مريض السجين، سيفكر الناس وهم في بساطة قلوب في إسعاد غيرهم لا شكل ثيابهم ونوعية إكسسوارهم وألوان عدسات عيونهم.

ورصيف البساطة باسط ذراعيه للصغير والكبير والأسود والأحمر والأبيض والقمحي، بل البساطة وداعة حال ورحمة شعور تهدأ معها زمجرة الأسود وشرودات النمور وهرولات الغزلان، فمن أمن جاء بسيطا لا يخشى غيلة ولا ازدراء آخرين، وعتبات البساطة رصيف العلماء والصالحين ورواد العمل وقادة الفكر بل والأوطان، فمنهم من اقترب من الناس إنسانا ما نسي نفسه كأنه تمثل قول الخليفة (قمت وأنا عمر وجلست وأنا عمر)ـ ومن تواضع لله رفعه، ومن خفف على نفسه خفف عليه غيره، ومن بنى حول نفسه شبك اعتبارات ومعايير فاته من وقته انتظار مرافقين، فاللهم اجعلنا بسطاء على عبادك المؤمنين عصيين على إغواء الشياطين.

albabamohamad@