عبدالله الأعرج

لا لتحويل الإبداعات إلى معاملات

الاحد - 16 ديسمبر 2018

Sun - 16 Dec 2018

قد تأتي الفكرة الإبداعية في لحظة من لحظات التجلي فتستحوذ على فكر صاحبها وتهبه سهر الليل وكدح النهار من أجل تحويلها إلى واقع ملموس ينعم به كل المستفيدين في المنظمة التي يتبع لها، ويقارع بها الأنداد وربما يتفوق عليهم.

هكذا هو الإبداع صمت يتبعه جنون. صمت للتفكر وجنون للتنفيذ، ومن لحظات الصمت إلى ثورة الجنون قد تكون الفكرة الإبداعية وقد لا تكون!

وما أعظم الخيبات حينما تختمر الفكرة الإبداعية وتتملك صاحبها قلبا وقالبا فتجعله يطير بها إلى صانع القرار داخل منظمته ويزفها إليه في أجمل حلة، فتتحول تلك الإبداعات إلى معاملات تتمدد في كل اتجاه فلا تترك مكتبا في المنظمة إلا وزارته ولا تغادر اجتماعا إلا ونوقشت فيه، ولا تترك إمضاء إلا ومهرت به، لتنتهي بعد كل هذا الجهد بحفظ في دهاليز الموارد البشرية أو صمت مطبق لا يعلم معه المبدع إن كانت فكرته مقبولة فيرضى أو مرفوضة فيشقى!

ولأن الفكرة الإبداعية والتطويرية تشبه في حساسيتها الورد الموسمي الذي لا يعيش طويلا فإن الاعتناء بها لتتحول إلى شجرة معمرة أمر غاية في الأهمية، وذلك من خلال الخطوات التالية:

01. من المهم أن يدرك قياديو العمل أن المبدع كنز للمنظمة التي يعمل فيها، فلربما كانت الفكرة الإبداعية علامة فارقة في مسيرة تلك المنظمة نحو مزيد من الإنتاج والنماء والتطوير.

02. إيمان قيادات العمل بما ورد في الفقرة السابقة يقتضي أخذ أي فكرة مقدمة مأخذ الجد، والاهتمام بها واستيفاء حقها من النقاش، دون تطويل يذهب رونقها ولا عجلة تخل بمحتواها.

03. الأفكار الإبداعية ليست معاملات أبدا، فصاحب الفكرة لم يتقدم بطلب خارج دوام أو مخصصات انتداب، بل تقدم بفكرة لصالح العمل، مما يلزم معه احترام المبادرة والمبادر بها.

04. بما أننا متفقون على أن الأفكار الإبداعية ضرب من الجنون المنظم systemic craziness، حيث إنها عبارة عن تجل يصل إليه المبدع في لحظة ما، لذا فإن أخذ هذه الأفكار بذات القدر من الجنون في التنفيذ والاحتواء والاحتفاء أمر صحي للغاية.

05. الأفكار الإبداعية كلها خير، فهي تعمل عادة على جعل بيئات العمل أكثر ملاءمة، وهذا يقتضي الترحيب بها وعدم اعتبارها مصادر خطر محتمل على المنظمة أو قياداتها ما لم يثبت خلاف ذلك.

06. الإبداع بات سمة

من سمات العصر، والعالم اليوم في كل بيئاته العلمية والصحية والعملية والثقافية والاقتصادية وغيرها لم يعد يؤمن بالتقليدية ولا بالثبات المقيت، وهذا الأمر يستدعي أخذ أي مبادرة إبداعية مأخذ الجد، وإنزالها المنزلة التي تستحقها من الاهتمام، تماشيا مع المستجدات ومواكبة للعصر، مع أخذ الثوابت بعين الاعتبار.

بقي أن أضيف أن أي قيادة داخل أي بيئة عمل تتعامل مع الإبداعات على أنها معاملات بين أروقة المنظمة فإنها تمثل سورا منيعا ضد التطور، وتخلق عقوما وحواجز فلاذية تحبط المبدع من إعادة التجربة، وتحرم المنظمة التحليق، وتشيع ثقافة الرتابة والتقادم والإحباط بين أفرادها وأمام المجتمع، وهو الأمر الذي يجب أن تربأ المنظمة بنفسها عن الدخول فيه، ناهيك عن أن تصرف الغالي والنفيس للخروج منه وقد لا تستطيع!