محمد بن طامي

إجازة العمل عن بعد

الاثنين - 10 ديسمبر 2018

Mon - 10 Dec 2018

تزايد متطلبات الحياة اليومية عما كانت عليه في عقود مضت، ألقى بظلاله بصورة أو بأخرى على فعالية أداء الموظفين على الصعيدين الحكومي والخاص، ومستوى رضاهم الوظيفي. وقد يكون العمل عن بعد أحد الحلول التي بادرت بها بعض الدول الغربية وإن لم يكن هدفها الرئيس زيادة مستوى الرضا الوظيفي بقدر ما هي استفادة مثلى من الموارد المتاحة وتخفيض سقف تكاليف الأصول الثابتة.

وكمثال فقد قامت إحدى شركات الطيران الصينية التي يعمل لديها 16,000 موظف من منازلهم بتجربة ناجحة بحسب الدراسة التي قام بها كل من Bloom, Liang, Roberts, and Ying من جامعة ستانفورد عام 2013 بعنوان «هل العمل من المنزل مجد؟ أدلة من التجربة الصينية»، حيث جرى تقسيم الموظفين إلى مجموعتين باستخدام أسلوب العينة العشوائي، وطلب من المجموعة (أ) العمل في مكاتب الشركة، بينما تعمل المجموعة (ب) من المنزل لتسعة أشهر، وأظهرت النتائج ارتفاع الأداء للمجموعة (ب) بنسبة 13% عن المجموعة (أ)، وتعزو الدراسة 9% من هذه الزيادة نتيجة العمل لدقائق أكثر في كل نوبة كون فترات الراحة والإجازات المرضية أقل في المجموعة (ب) عنها في (أ)، كما أن الـ 4% المتبقية نتيجة لأن عدد المكالمات الهاتفية في الدقيقة أكثر كذلك في المجموعة (ب) منها في المجموعة (أ)، ويعود ذلك لملاءمة مكان العمل (المنزل) وراحة الموظف فيه، والتي هي أكبر منها في مكاتب الشركة.

كما تشير نتائج الدراسات التي قام بها المركز الدولي للأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية IDC إلى وجود 30 مليون شخص يعملون من منازلهم عام 2006 في أمريكا وحدها، وأن عدد العاملين من منازلهم في العالم قد يصل إلى مليار شخص. وقد شهدت اليابان أكبر نسبة ارتفاع في عدد العاملين من المنزل، حيث بلغت نسبة الارتفاع 80 % من 2006 إلى 2011.

وبالحديث عن السعودية، قد يكون من الصعب تطبيق هذه الآلية لعدم توفر البنية التحتية المناسبة وعدم رواج هذا النوع من الثقافة المهنية في أوساط سوق العمل، وكحل وسط بين تواجد الموظف في مقر العمل بشكل دائم خلال أوقات العمل أو العمل من المنزل باستمرار جاءت فكرة إجازة العمل عن بعد، والتي ترتكز على منح الموظف يوما أو يومين شهريا للعمل من المنزل.

وبالإمكان تطبيق هذا المفهوم في الجهات التي تمتلك الحد الأدنى من التقنية للتواصل وتبادل المهام والمنجزات المحققة أثناء سير العمل، حيث يحق للموظف أن يحصل على إجازة العمل عن بعد ليوم أو يومين خلال الشهر، على أن يكون لديه مهام محددة للقيام بها وتسليمها حال العودة لمقر العمل، سواء أكانت تلك المهام عمليات قائمة بحد ذاتها أو جزءا من عمليات أكبر تحتاج لمواصلة العمل عليها لفترة أطول، وكنوع من التحفيز فإن مدى الكفاءة والفاعلية في استغلال «إجازة العمل عن بعد» يحددان أحقية الموظف في الحصول على إجازة الشهر التالي بناء على تقييم الأداء للمهام المنجزة.

تطبيق هذا المفهوم سيعكس نتائج إيجابية على مستوى الكفاءة، والإنتاجية، والرضا الوظيفي، والوعي لدى الموظفين. فمن ناحية الكفاءة والإنتاجية أشارت الدراسات السابقة إلى أن مستوى الإنجاز وجودة العمل يزيدان لدى الموظفين عند العمل من منازلهم عنهما عند العمل في مقر العمل. كما أن معدلات الرضا الوظيفي ستزيد لدى الموظفين.

أخيرا، إن مثل هذه المفاهيم الجديدة على بيئة سوق العمل السعودي ستنمي الوعي لدى الموظفين من محاور عدة، فالإحساس بالمسؤولية سيتزايد لدى الموظف خلال «إجازة العمل عن بعد» عنه في مقر العمل، نظرا لكون عنصر الرقابة المكاني غير موجود خلال الإجازة، والمسؤولية بالكامل في أداء العمل بالشكل الصحيح تقع على عاتق الموظف وحده. كما أن عنصر الثقة سيزيد كذلك لدى المديرين والمشرفين الذين يحق لهم كذلك الاستفادة من هذا النوع من الإجازات لهؤلاء الموظفين من خلال تمكينهم من إنجاز الأعمال الحيوية، والمهمة أحيانا، خارج مقر العمل. كما أن أثر مثل هذه المفاهيم قد يلقي بظلاله على أبعاد أخرى مثل تقليل الازدحام وتخفيض نسبة الحوادث ونسبة التلوث وترشيد استهلاك الطاقة.

Mohamed_BinTami@