ياسر عمر سندي

المعرفة بين الاتزان النفسي والاحتراق الوظيفي

الأربعاء - 05 ديسمبر 2018

Wed - 05 Dec 2018

تعد مرحلتنا الراهنة آخر مرحلة من العصور الماضية، والتي مرت على البشرية لتشكل خارطتها النفسية والاجتماعية والعلمية والعملية، إذ وصلنا حاليا إلى ما يسمى «العصر المعرفي» الذي غير كثيرا من المفاهيم ومنها مفهوم العمل ومتطلباته وأساليبه، حيث كان الموظف قديما وبمنهج المدرسة الكلاسيكية يعامل كأداة وآلة تعمل على الدوام مهمتها العمل فقط لتحقق أعلى معدلات الإنتاج وتعظيم الربح وتقليل التكلفة، بعيدا عن الجانب الإنساني والتقدير لمشاعر الموظف وحالته المزاجية وما سيؤول إليه إذا تم إجهاده بدنيا ونفسيا أو ما سيتسبب له من أمراض جراء الاستمرار في عجلة الحياة الوظيفية لتلبية المتطلبات الحياتية، وأدى ذلك إلى زيادة ضغوط العمل على الموظف، ومن ثم إحداث الخلل التفاعلي بين احتياجات ورغبات البيئة الخارجية وطريقة استجابة الفرد لها بأشكال محددة تعتمد على الشخصية والاستعدادات النفسية لدى الموظف.

وإذا ما تحدثنا عن «الاحتراق الوظيفي» نجد أنه يعود في الدرجة الأولى إلى سبب نفسي من خلال تعرض الموظف إلى مجموعة من العوامل مثل الإجهاد البدني والذهني والاستنزاف الانفعالي والتبلد الشخصي والإحساس بعدم الرضا عن الأداء الشخصي والمهني. وعندما لا يكون هناك توافق بين طبيعة العمل وشخصية الموظف يشعر أن لديه أعباء كثيرة يجب إنجازها في فترة قصيرة وبمصادر محدودة، فيظهر الإحباط ثم الكبت والتراكمات القديمة أيضا، والتي تتكون في العقل الباطن وفي اللا شعور، فجميعها تؤدي إلى الانفجار الذي يحدث للموظف ويصيبه بحالة من الهيجان والغضب فتظهر عليه علامات الأمراض وما يسمى في علم النفس «الاضطرابات النفس جسمية» «السيكوسوماتية» Disorder Psychosomatic من ضغط وسكر وقولون عصبي، والتي تكون المسببات النفسية هي السبب الرئيس وراءها، أو أن تظهر على الموظف علامات وتصرفات في لغة جسده كالسلوك اللفظي أو البدني أو سلوكه الإيمائي غير اللائق، وكل ذلك يعد مؤشرا قويا لعلامات الاضطراب النفسي للموظف، إضافة إلى نتائج عدة يسببها الاحتراق الوظيفي مثل تدني مستوى العمل للموظف وارتباكه في إنجاز أعماله وشعوره بعدم الرضا والولاء لعمله ومنظمته.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية أحبذ أن يكون الموظف مستبصرا ومدركا ومحيطا بما لديه من جهد وإرهاق وكثرة أعمال، إضافة إلى ما يواجهه من رؤسائه ومديريه من عدم تقدير أو إهمال، فذلك سيساعده ويعينه ويخفف عليه، وإذا ما أضاف إلى ذلك كثيرا من الوعي الجاد والإصرار واللجوء بعد الله عز وجل للمعرفة واستخدامها كعلاج سلوكي معرفي لتخفيف ظروفه الحالية لتجاوز تلك العقبات، فإنه سيصبح بمشيئة الله متوائما وموافقا ومتماشيا ببعض الوسائل والإرشادات المساعدة لتفادي الإصابة بالاحتراق الوظيفي، والوصول إلى الاتزان النفسي، وبآليات وخطوات ذاتية يقوم بها الموظف لتهدئته وتجاوز الضغوط المباشرة عليه، ويجب على المشرفين والمديرين أيضا اكتساب السلوكيات والمهارات المعرفية الحديثة والتخلي عن أساليب الإدارة التقليدية:

أولا، ما يقوم به الموظف من سلوكيات: الاستعانة بالله أولا وأخيرا والتوكل عليه والإيمان بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، التركيز على العمل الذي يستطيع إتقانه بشكل جيد، الاسترخاء والتمتع أكثر بنهاية الأسبوع مع الأسرة، الحرص على اكتساب مهارات عملية وعلمية إضافية، عدم تهويل الأمور وتكبيرها فكثير من الأمور الصغيرة بالاستطاعة تجاوزها، استخدم التفكير المنطقي الذي ينتج عنه تبسيط للمشاكل وإبعاد للأفكار السلبية، البعد عن الموظفين المحبطين والتقرب من المتفائلين.

ثانيا، ما يجب أن يتقنه المديرون والمشرفون من سلوكيات تجاه الموظفين: إعطاء الموظف قدرا كافيا من العناية والاستماع والثقة لما لها من أهمية بالغة في تشجيع الموظف، توضيح خطة العمل وتوزيع المهام والمسؤوليات بشكل عادل، تقدير المشاكل الخاصة للموظف من مرض أو مشاكل عائلية وغيرها، إعطاء الموظف صلاحية اتخاذ القرار في المسائل التي يحسن إنجازها، مكافأة الموظف ماديا أو معنويا عندما ينجز ويبذل جهدا في عمله، تقليل المراقبة المتركزة على الموظف لأن ذلك يشعره بالتوتر، والتركيز على خطة العمل والمنتج، إعطاء الموظف راحة وإجازة في حال تكرار إخفاقه في عمله.

ما سبق يعد أساليب لزيادة وتعزيز الجانب السلوكي المعرفي لخفض التوتر المؤدي للاحتراق الوظيفي، ورفع درجة التوازن النفسي، وعلى الموظف أن يستشعر أن العمل عبادة، وعليه تأدية مهامه على أكمل وجه دونما تقصير، وعلى المشرفين والمديرين والمسؤولين أن يراعوا الله فيمن تولوا أمرهم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

@Yos123Omar