محمد أحمد بابا

التخبيص في القطاع الثالث

الاثنين - 03 ديسمبر 2018

Mon - 03 Dec 2018

حتى لا يتهمني أحد بمعاداة السامية أو بمهاجمة الجمعيات الخيرية، أقول: إن ما أنتقده في نشاط هذه الجمعيات أو بعضها هو (النشاط) وتكييف (الإجراء) مع (القانون) والنظام التي هي تحت لوائحه وقواعده وتعمل وفق (لائحتها) وما تأسست عليه من نظام أساسي على ضوئه أصبحت تحمل رقما لترخيص من الشؤون الاجتماعية.

ومن الملاحظ أن غير واحدة من هذه المؤسسات بمجرد أن تحصل على ترخيص في مجال معين تجدها صاحبة (تخبيص) يبرزه الإعلام كأنه إنجاز وطني،فإما أنه مسموح بصفة رسمية لا نعلمها (للجمعيات الخيرية والمؤسسات التطوعية) وفق مسمياتها بمخالفة النظام، أو أن الاسم لا يدل على المسمى ونحن قوم لا نفهم في كواليس العمل الخيري وقلوبنا ذات صدأ.

مثال (للتخبيص): هيئة أسست لمساعدة المحتاجين ومعلوم نظامها وتأسيسها ونشاطها، تشغل رياض وحضانات للأطفال في مدننا وهي لا تملك ترخيصا لذلك، وليس هذا مجالها.

جمعية سمت نفسها (الطعام الخيري) ومن الاسم نفهم المجال، توقع اتفاقا مع مؤسسة خيرية أخرى لإنشاء مساكن ربما للخير أيضا، دون إفصاح عن طبيعة الشراكة.

جمعية للتنمية الاجتماعية تصب جهد نشاطها على فرع واحد هو (إظهار مهارة بعضهن في صناعة المسبحة).

جمعية المتطوعين الشباب كل أعضائها بمن فيهم الرئيس التنفيذي تعدوا الـ 50 من عمرهم، فعن أي شباب يتحدثون؟

جمعية ومؤسسة خيرية أخرى تقيم مناسبات ذات الخمس والسبع نجوم، وحين تدخل على موقعها على الانترنت تباغتك رسالة في أعلى الصفحة الرئيسة (في حالة عدم دفع رسوم الموقع سيتم إغلاقه)، فمن أين جاءت هذه الأموال؟

جمعية لتعليم شيء ما تزعم أنها تشارك في خدمة الحجاج لكنها تفرض رسوما مثلا على متطوعين.

وغير ذلك كثير.

العمل الخيري والتطوعي دعامة نهوض لكل مجتمع، لكن حين يكون ذا طابع مؤسسي مهني تخصصي متوافق مع نظام وقانون واضحين للعيان في مجالس إدارة تفصح للناس عن كل شيء، وتتقبل أن تكون دفة القيادة للشباب، لكن المؤلم اقتصاديا أن قيل لي: إن مؤسسة خيرية تطوعية لديها رصيد بنكي يتخطى 100 مليون ريال مجمدة لسنوات، لا هي استثمرت ولا هي منه صرفت على نشاطها، تستجدي مجانية خدمات من كل جهة وكل أحد.

وحين بدأت حوكمة القطاع الثالث ظهرت من فواجع الصدمات وخوارق التخبيصات ما الله به عليم.

إذا لم تتواءم وتتناغم مؤسسات التطوع وجمعيات القطاع الثالث مع مبادرات وأهداف رؤية 2030 في هذا المجال وأسرعت في مهنية الأداء فإنها ستبقى عائقا جارحا في التنمية المستدامة.

كيف تكون مؤسسات تطوعية أو خيرية رخصتها الدولة بناء على اشتراطات ونظام ولوائح ولها تشريعات مكتوبة منشورة، ثم تجدها تضرب بكل ذلك عرض الحائط بحجة أنها تصفعك باتهام مبطن مفاده (يا أخي إنت ما تحب الخير؟).

ليت المهنية والموضوعية تسريان في القطاع الثالث سريان الدم في عروق إنسان ليكون العمل الخيري والتطوعي من منظور المؤسساتية في حوكمة أداء دون أن تطغى عاطفة غير منضبطة تخلط غثا بسمين وباطلا بحق.

الناس كلها تحب الخير، والخير مفهوم رغم عظمة إحاطته إلا أنه مضبوط المعنى بالاصطلاح الديني والعرف القانوني والتعاطي الاجتماعي، ولا يخفى على حصيف ولا يختلط عند فاحص خبير، لكن من التخبيص ما هدم.

albabamohamad@