محمد النفاعي

الغراب والضبع.. حكاية من تراث بيئة العمل

الجمعة - 30 نوفمبر 2018

Fri - 30 Nov 2018

تتوارث الأجيال في مختلف بقاع العالم كثيرا من الحكايات والأساطير التي تعد من موروثها الثقافي والأدبي. كانت تحكى وتتوارث تحت ما يسمى بقصص من التراث الشعبي العالمي، لدرجة أنه أنشئت البرامج لتمثيلها وتوثيقها. نحن نتذكر برنامج رسوم متحركة هادفا يحكي في كل حلقة قصة مختلفة من التراث العالمي عن قصص الشعوب، دائما يوجد مغزى عميق لهذه الحكايات التي تتوارثها الأجيال. حكايات ممتعة جميلة من أشهرها قصص من التراث اليوناني تسمى «قصص أيسوب» أبطالها حيوانات، مشابهة لقصص كليلة ودمنة لابن المقفع. وأشهر قصصه قصة «الغراب والجبنة» التي دأبت على الظهور في كتب القراءة في مختلف دول العالم. يهمنا هنا من الأبطال التراثيين الغراب والضبع للتشابه بينهما في بعض الصفات.

الغراب طائر يتميز بالذكاء المرتفع مقارنة مع غيره من الطيور، وجاء ذكره في القرآن الكريم في قصة ابني سيدنا آدم عليه السلام (قابيل وهابيل). الغراب يأكل ويتغذى من فريسة غيره، وينتظر أحد الحيوانات المفترسة ليصطاد فريسته ومن ثم يبدأ بمضايقته حتى يترك له الباقي.

والضبع يصطاد جماعيا ويعتاش غالبا على أكل الجيف وبقايا صيد وفرائس الحيوانات الأخرى. ولكن من الممكن أن يصطاد بنفسه ولكنه «سبحان الله» يعد منظفا للبيئة من العظام والجلود وبقايا الفرائس التي تتركها السباع الأخرى، ولله في خلقه شؤون. الضبع يسمى عند العرب «أم عامر» وقيل فيه بيت شعر عن غدره لمن آواه صغيرا يتداول حتى الآن، يقول الشاعر:

ومن يصنع المعروف في غير أهله

يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر

الغراب والضبع يتشاركان في صفة نجدها في بيئة العمل لا تتماشى مع أخلاقيات العمل البشري، هذه الصفة هي التكسب والاستيلاء على مجهود الآخرين واعتبار ذلك مهارة وذكاء اجتماعيا. سنحكي لكم قصة مكررة من تراث «بيئة العمل»، والتي مهما اختلفت طبيعة نشاطها وحجمها يظل لها تراثها وتقاليدها التي لا تتغير لتشابه أبطالها البشر.

في بيئة العمل هناك من يعمل ويكد طلبا للنجاح والتقدير المناسب، ولكن بالمقابل الغراب والضبع موجودان يتحينان الفرصة للانقضاض على جهود الآخرين دون تردد. لذلك من المهم التحوط منهما فإن لم تستطع مجابهتهما أو التصدي لهما فاعمل كالنسر الذي يأخذ ما يقدر ويترك الباقي للغربان التي تحوم حوله وتضايقه، أو كالأسد الذي هيبته فقط تمنع الضباع من الاقتراب منه مؤقتا، حتى يترك الباقي باختياره للضباع، واحذر أن تكون كالذئب في تعامله مع الضبع، فعندما يجتمعان كما عرف عند العرب تنجو الغنم، لأن كلا منهما يمنع صاحبه. ويقول العرب في دعائهم «اللهم ضبعا وذئبا»، ويقول الشاعر:

تفرقت غنمي يوما فقلت لها

يا رب سلط عليها الذئب والضبع

ختاما، هذه الأخلاقيات غير المحمودة موجودة في بيئة العمل ولا مفر منها. فالناس ليسوا سواسية في قيمهم الخاصة وفي حكمهم وتعاملهم مع ما حولهم للحصول على أهدافهم الشخصية. الأفضل هو أن نتعلم من حكاية «الغراب والضبع» الخاصة بنا ومن ثم التعامل مع الوضع بما يناسبنا وما يناسب القيم العليا للمؤسسة التي نعمل لديها. في النهاية لا يصح إلا الصحيح، كما جاء في قوله تعالى «إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا»، «واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين».

msnabq@