عبدالله الأعرج

المدير المخبوز وأخوه المرزوز!

الأحد - 25 نوفمبر 2018

Sun - 25 Nov 2018

في حفل لإحدى شركات القطاع الخاص المحلية جلست بجانب السيد مدير الشركة، وكنا كلما أتيحت الفرصة وقلت الضوضاء استرقنا الفرصة لنتحدث عن القطاعين الخاص والعام والفرق بين العمل في الجهتين.

كنت وما زلت شغوفا بسياسات القطاع الخاص (الصحي والسليم) في ثقافة التوظيف المبنية على أن المناصب للأجدر والقيادة للأكفأ كائنا من كان!

انثنيت مرة أخرى وهمست لصاحبي: كيف تختارون من يتقدم للمناصب القيادية في شركتكم؟ أجاب وبدون تردد: نحن نصنع القيادات ولا نوظفهم! وأتبع بالإنجليزية we don’t hire mangers, we make them سكت برهة قبل أن أشن هجوما مضادا، وقلت: ولكن شركتكم ليست معنية بصناعة القادة بقدر ما هي فنية وتقنية بحتة!

اعتدل صاحبي في جلسته وتابع: نحن نؤمن في شركتنا أن رئيس الشركة والعضو المنتدب CEO لا يمكن أن يصل إلى هذا الموقع المتقدم إلا إذا كان قد بدأ من الصفر. وأتبع» تبغاني أريحك يا دكتور أنا (يتحدث عن نفسه) بدأت مندوب مبيعات لمدة 10 سنوات والشركة ملك لوالدي!

انكمشت مرة أخرى في الكرسي المجاور لسعادته وبدأت أقارب وأوارب وأزن وأقيس وأحلل وأستنتج الفرق الأبرز بين القطاعين الخاص والعام في قضايا تعيين وتكليف القيادات، وانعكاس هذه القرارات على إنتاجية المنظمة وقفز أسهم نجاحها!

وصلت بعد يومين من التحليل إلى أن القطاعات العامة فيها مديرون معينون أو مكلفون لم ينالوا جرعة كافية من الخبرة الأساسية في العمل الذي يقومون على إدارته، بل إن عاديات الزمن وتحديات العمل وتعقيداته لم تنل حقها من صقلهم على الوجه الذي يجعل من منظماتهم عتية على التحديات وفتية في مواجهة المستجدات، كيف لا ونحن نعي تماما ونقف على شواهد في بعض القطاعات العامة التي يقف على ذروة سنامها مديرون لا يملكون من الخبرات الإدارية الميدانية الحد المناسب لمواجهة احتياجات العمل؟ فالبعض أتى من خارج المنظمة ولا يعلم عنها شيئا، وما بين المدة المتاحة لفهم مهام عمله وانتهاء تكليفه تعصف رياح التخبط بمرؤوسيه وتتناوشهم اجتهادات سعادته التي ترسو تارة وتتحطم تارات، كيف لا ونحن نعي تماما أن بعض القطاعات تدار من أشخاص داخل المنظمة بيد أنهم لم يتدرجوا صحيا من خلال سلم العمل بدءا من المراكز الميدانية اللا قيادية Non-managerial positions وانتقالا إلى مراكز القيادة المتوسطة، وصولا إلى المراكز القيادية العليا Executive positions، مما يفرز رؤية مشوشة لمفهوم القيادة مصدرها الجهل بالميدان كما هو، ونقص الفهم للاحتياج الحقيقي لسير العمل وصيرورته!

كيف لا ونحن نعي أن الشهادات العليا أيضا كانت بمثابة جواز السفر الدبلوماسي لبعض القيادات منزوعة من دسم الخبرة والكفاءة والفاعلية، مما أضر بالمنظمة وخلق طبقية داخلها مردها علو الشهادة التي تعجب المدير وتغيظ المدار لتخرج زرعا لم يستو على سوقه ولم يعجب الزراع!

لقد باتت عملية (خبز) المدير في تنور العمل أمرا غاية في الأهمية، وذلك من خلال التدرج الطبيعي ولمدد محددة في بيئة العمل قبل الوصول للمواقع المتقدمة، كذلك فإن صقل أصحاب السعادة بدورات القيادة قبل تولي القيادة وفنون إدارة ضغوط العمل وحسن توزيع الوقت والتعامل مع المرؤوسين، كلها من الأولويات لصنع بيئة عمل ثرية ومنتجة.

المدير المخبوز جيدا لا بد أن يكون قد وصل لحد أدنى من اختبارات الكفاية في القيادة، والتي تتم من خلال اختبارات على بيئة العمل التي يعمل بها وليس من مواقع قياس عالمية لا تمت لبيئة عمله بصلة، كذلك فإن صاحب السعادة لا بد أن يدرك أن موقعه ليس مكانا سرمديا لا يزحزحه عنه سوى أنظمة العمل القانونية، بل لا بد أن يعي أن تقهقر العمل وقلة الإنتاجية وغياب رضى المستفيدين كلها موجبات لإزاحته عن سدة القيادة، وأن البقاء للمدير المخبوز لا المدير المرزوز!